حتى قال بعض النحويين إنها لا تجوز إلا في الشعر، والصحيح جوازها مطلقا لكن استعمالها في النثر قليل. ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: "بُني الإسلام على خمس: شهادةُ أن لا إله إلا الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلا" فمَن في موضع رفع فاعلا بحجّ البيت. والتقدير: وأن يحج البيتَ من استطاع إليه سبيلا. وقلت في مصاحبة غير المضاف: "ومرفوعا دون ندور" احترازا من قول أبي العباس ثعلب: العرب تقول عجبت من قراءة في الحمام القرآنُ، أي من أن قُرئ.
ص: ومعموله كصلة في منع تقدمه وفصله. ويضمر عامل فيما أوهم خلاف ذلك أو يُعدّ نادرا.
ش: قد تقدم بيان كون المصدر العامل بإجماع مقدرا بحرف مصدري موصول بفعل، وأن ذلك التقدير غالب لا لازم، فاستحق بلزوم هذا التقدير أن يخالف معموله الصلة بجواز الاستغناء عنه، وأن يوافقها في منع التقدم والفصل. فلهذا قلت "ومعموله كصلة في منع تقديمه وفصله". ثم قلت "ويضمر عامل فيما أوهم خلاف ذلك، أو يعد نادرا" فنبهت بذلك على أنه قد يجيء ما قبل المصدر متعلقا به من جهة المعنى تعلق المعمول بالعامل، كقول تميم العجلاني:
لقد طالَ عن دَهماءَ لدِّي وعِذْرتي ... وكِتمانُها أكْنِي بأُمِّ فلان
وكقول عمر بن أبي ربيعة:
ظنُّها بي ظنُّ سوءٍ كله ... وبها ظنِّي عَفافٌ وكَرَم