زيد. فكان لأفعل في هذا الموضع ما للصفة المشبهة من تناول المساواة والمزية، فاستحق بذلك التفضيل على أفعل المقصور على المزية ففضل برفعه الظاهر.
وأيضا فإن قاصد المعنى المفهوم من ما رأيت أحدا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد، إمّا بأن تجعل أفعل صفة لما قبلها رافعة ما بعدها، وإما أن تجعله خبرا للكحل، وهذا الوجه ممتنع بإجماع العرب، لاستلزامه الفصل بالمبتدأ بين أفعل و"من" مع كونهما بمنزلة المضاف إليه. والوجه الآخر لم يجمع على منعه، بل هو جائز عند بعضهم، فلما ألجأت الحاجة إليه اتفق عليه.
فإن قيل لا نسلم الالتجاء إليه لإمكان أن يقال ما رأيت أحدا الكحل أحسن في عينه منه في عين زيد. فالجواب أن إمكان هذا اللفظ مسلّم، ولكن ليس بمسلم إفادة ما يفيده اللفظ الظاهر من اقتضاء المزية والمساواة معا. وإنما يقتضي ما رأيت أحدا الكحل أبين منه في عينه منه في عين زيد: نفي رؤية الزائد حسنه لا نفي رؤية المساواة، وإذا لم يتوصل إلى ذلك المعنى إلا بالترتيب المذكور الذي عليه صح القول بالالتجاء إليه. ولم يرد هذا الكلام المتضمن ارتفاع الظاهر بأفعل التفضيل إلا بعد نفي، ولا بأس باستعماله بعد نهي أو استفهام فيه معنى النفي كقولك: لا يكن غيرك أحبّ إليه الخير منه إليك. وهل في الناس رجل أحق به الحمد لله منه بمحسن لا يمنّ بمنّه.
ولا ينصب أفعل التفضيل مفعولا به، بل يُعدّى إليه باللام إن كان متعديا إلى واحد كقولك زيد أوعى للعلم وأبذل للمعروف. وإن كان من متعدّ إلى اثنين عُدّي إلى أحدهما باللام وأضمر ناصب الثاني كقولك: هو أكسى للفقراء الثياب، أي يكسوهم الثياب. فإن ورد ما يوهم نصب مفعول به بأفعل نسب العمل لفعل محذوف، وجعل أفعل دليلا عليه، فمن ذلك قول الشاعر: