أحدا أحسن في عينه الكحل من زيد بما رأيت أحدا أحسن بالكحل من زيد، يقدر: ما رأيت كذبة أكثر عليها شاهد من كذبَة أمير على منبر. وكذا يفعل بكل ما أشبه ذلك حيثما ورد.
وكل واحد من هذه الأمثلة التي ذكرتها آنفا متضمن لضمير مذكور بين أفعل والظاهر المرفوع عائد على موصوف بأفعل مسبوق بنفي. وقد يحذف الضمير إذا كان معلوما. ومن المسموع في ذلك قول بعضهم: ما رأيت قوما أشبه بعض ببعض من شبه بعض قومك ببعض، فجعل أشبه في موضع أبين، واستغنى به عن ذكر الشبه المضاف إلى بعض، ثم كمل الاختصار لوضوح المعنى. ومَن قدّر ما رأيت أحدًا أحسن في عينه الكحل من زيد بما رأيت أحدا أحسن بالكحل من زيد، يقدّر هذا بما رأيت قوما ما أشد تشابها من قومك.
والسبب في رفع أفعل التفضل للظاهر في هذه الأمثلة ونحوها تهيّؤه بالقرائن التي قارنته لمعاقبة الفعل إياه على وجه لا يكون بدونها. ألا ترى أن قولك ما رأيت أحدا في عنيه الكحل منه في عين زيد، لو قلت بدله: ما رأيت رجلا يحسن في عينه الكحل كحسنه في عين زيد، لكان المعنى واحدا. بخلاف قولك في الإثبات رأيت رجلا الكحل في عينه أحسن منه في عين زيد، فإن إيقاع الفعل فيه موقع أفعل يغيّر المعنى، فكان رفع الفعل للظاهر لوقوعه موقعا صالحا للفعل على وجه لا يغير المعنى بمنزلة اسم الفاعل الماضي معنى إذا وصل بالألف واللام، فإنه كان ممنوع العمل لعدم شبهه بالفعل الذي في معناه، فلما وقع صلة قدّر بفعل وفاعل ليكون جملة، فإن المفرد لا يوصل به موصول، فانجبر لوقوعه موقع الفعل ما كان فائتا من الشبه، فأعطى العمل بعد أن مُنِعه فكذلك أفعل الواقع في الموقع المشار إليه حدث له بالقرائن التي قارنته فيه معاقبة للفعل على وجه لم يكن بدونها، فرفع الفاعل الظاهر بعد أن كان لا يرفعه. وأيضا فإنه حدث له في الموقع المشار إليه معنى زائد على التفضيل، وذلك أنك إذا قلت: ما الكحل في عين زيد أحسن منه في عين عمرو، لم يكن فيه تعرض لنفي المساواة، وإنما تعرض فيه لنفي المزية، بخلاف قولك ما رأيت أحدا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد، فإن المقصود به نفي المساواة ونفي المزيّة. ولهذا قدّره سيبويه بما رأيت أحدا يعمل في عينه الكحل كعمله في عين