يَمينًا لنعم السيّدانِ وُجِدْتما ... على كل حالٍ من سَحيلٍ ومُبْرَمِ
فعُلم بهذا أن المخصوص لم يكن قبله ضمير فيكون هو خبره، بل كان المخصوص مبتدأ مخبرا عنه بجملة المدح أو الذم، ومن لوازم كون المخصوص خبرا جواز دخول إنّ لأن الخبر عنه عند من يرى صحة ذلك جملة خبرية أجيب بها سؤال مقدر، وتوكيد ما هو كذلك بإن جائز. والجواز هنا منتف مع أنه من لوازم الخبرية. فالخبرية إذن منتفية، لأن انتفاء اللازم يدل على انتفاء الملزوم. وأما على القول بكون المخصوص مبتدأ مقدم الخبر فيلزم منه موافقة الرافع، وهو امتناع دخول إن إلّا مع تقدّم المخصوص كقولك في زيد نعم الفتى: إنّ زيدا نعم الفتى. وأجاز ابن عصفور أن يجعل المخصوص مبتدأ محذوف الخبر. وهذا أيضا غير صحيح، لأن هذا الحذف ملتزم، ولم نجد خبرا يلتزم حذفه إلا ومحله مشغول بشيء يسد مسده، كخبر المبتدأ بعد لولا وهذا بخلاف ذلك، فلا يصح ما ذهب إليه ابن عصفور.
والحاصل أن المخصوص بالمدح والذم لا يجب أن يصرح بذكره، ولا أن يؤخر إذا ذكر، بل الواجب أن يكون معلوما، فإن ذكر وأخر فهو مبتدأ كما مضى، وإما مرفوع بكان أو وجد أو إحدى أخواتها، وإما أول مفعولي ظن أو إحدى أخواتها، والجملة قبل الفعل في موضع نصب به خبرا أو مفعولا ثانيا. وإن ذكر وقدّم والجملة واحدة فهو مبتدأ [أو اسم كان أو إنّ] أو أول مفعولي ظن أو إحدى أخواتهنّ. فمن ذلك قول الشاعر:
إذا أرْسَلُوني عند تَعْذير حاجة ... أمارِسُ فيها كنتُ نِعْمَ المُمارِسُ
ومثله:
لَعَمْري لئنْ أُتْرفْتُم أو صُحِرتُم ... لبئسَ الندامى كنتمْ آل أبْجَرا