ولا يمكن الخفض بها لأنها بمنزلة عدد ينصب ما بعده قولا واحدا، فيجب لما حمل عليه ونزل منزلته أن يكون كذلك.
قلت: الأمر على ما أشار إليه أبو الحسن بن خروف، أعني كون المميز في نحو بكم درهم تصدقت مجرورا بمن مقدرة لا بكم، لأنها بمنزلة عدد ينصب ما بعده ولا يخفضه، فلو خفضت ما بعدها مرة ونصبته مرة لزم تفضيل الفرع على الأصل، وأيضا لو كانت صالحة للجر بها إذا دخل عليها حرف جر لصلحت للجر بها إذا عريت من حرف الجر، إذ لا شيء من المميزات الصالحة ينصب مميزها ويجر بإضافتها إليه، فيشترط في إضافتها أن يكون هو مجرورا، فالحكم بما حكم به الزجاج ومن وافقه حكم بما لا نظير له، فخولف مقتفيه ورُغب عنه لا فيه. ولا يجوز جمع مميز الاستفهامية، كما لا يجوز جمع مميز العدد الذي أجريت مجراه. وأجاز ذلك الكوفيون ولا حجة لهم، وإن ورد ما يوهم جواز ذلك حمل على أن المميز محذوف. وأن الجمع الموجود منصوب على الحال نحو أن يقال: كم لك شهودا وكم نفسا عليك رقباء.
وإن قُصد بكم الإخبار على سبيل التكثير جرت مجرى عشرة مرة، ومجرى مائة أخرى. وقد سبق الكلام على ذلك تبيينا وتمثيلا. ومميزها مجرور بإضافتها إليه كمميز ما حملت عليه. وزعم الفراء أن الجر بعدها بمن مقدرة، ولا سبيل إلى ذلك كما لا سبيل إليه فيما حملت عليه، ولأن الجر بعدها لو كان بمن مقدرة لكان جوازه مع الفصل مساويا لجوازه بلا فصل، لأن معنى "من" مراد، واستعمالها سائغ مع الاتصال، فلو كان عملها بعد الحذف جائز البقاء مع الاتصال لكان جائز البقاء مع الانفصال في النثر والنظم. وفي كون الواقع بخلاف ذلك دليل على أن الجر بالإضافة لا بمن مقدرة.
وإذا فصل مميز كم الخبرية بجملة أو ظرف أو جار ومجرور معا وجب نصبه مطلقا حملا على الاستفهامية، فالأول كقول الشاعر:
كمْ نالَني منهم فَضْلا على عدَم ... إذْ لا أكادُ من الإقتار أحتمل