وما أتيتني إلا تكلمت بالجميل، وما زاد إلا نفع، وما قلّ إلا ضرَّ، وما تكلّم إلا ضحك، وما جاء إلا أكرمته كأنهم قالوا ما تأتيني إلا قائلا حقا، وما أتيتني إلا متكلما بالجميل، وما زاد إلا نافعا، وما قلّ إلا ضارا، وما تكلم إلا ضاحكا، وما جاء إلا مكرَما، فجميع هذه أحوال. فهذا نص سيبويه.
ونص أبو الحسن بن خروف في شرح الكتاب مبينا بأن الفعل لا يقع بعد إلا حتى يكون مؤولا باسم. ولو كان مطلق الدخول على الفعل مبطلا للاختصاص بالاسم ما أضيف الاسم إلى فعل، ولا وقع الفعل حالا، ولا مفعولا ثانيا لظنّ، ولا خبر كان أو "إنّ" لأن مواضع كل واحد من هذه المذكورات متسلط عليه عامل من عوامل الأسماء، فكما لم يبطل اختصاص هذه العوامل بالأسماء وقوع الأفعال في مواضع معمولاتها لتأوّلها بأسماء كذلك لا يُبْطل اختصاص إلّا بالأسماء دخولها على فعل مؤوّل باسم.
فإن قيل لو كانت إلا عاملة لم يقع الضمير بعدها إلا متصلا كما يقع بعد إنّ وأخواتها والأمر بخلاف ذلك قال الله تعالى (ضلَّ مَن تدعون إلّا إيّاه) وقد مضى أنهم قالوا في الاستثناء المنقطع ما في الأرض أخبث منه إلا إياه، فالجواب من خمسة أوجه:
أحدها أن المنصوب بإلا لما كان منصوبا لا مرفوعَ معه أشبه المنصوب على التحذير والنداء، فاستحق الانفصال إن كان مضمرا، كما استحق شبيهه. الثاني لما كان الانفصال ملتزما في التفريغ المحقق والمقدر التزم مع عدم التفريغ، ليجري البابُ على سَنَن واحد. الثالث أنّ "إلّا" لو استثنى بها في حكم جملة مختصر فكُرِه وقوعُه ضميرا متصلا لأنه مختصر بالنسبة إلى المنفصل، والاختصار بعد الاختصار إحجاف. الرابع أن إلا تشبه ما النافية في مرافقة الفعل معنى لا لفظا، وفي الإعمال تارة والإهمال تارة، ومعمول ما إذا كان مضمرا لا يكون إلا منفصلا، فألحقت بها