إلا الخامس أن إلا تشبه لا العاطفة في لزوم التوسط، وجعل ما بعدها مخالفا لما قبلها، ولا العاطفة لا يليها المضمر إلا منفصلا فجرت في ذلك مجراها، ومع ذلك فالمستحق بعد إلا النصب على الاستثناء شُبِّه بالمفعول المباشر عامله فكان له بذلك حظ في الاتصال إذا كان مضمرا فنبّهوا على ذلك بقول الشاعر:
وما أُبالي إذا ما كنتِ جارتَنا ... ألّا يُجاورنا إلّاكِ دَيّارُ
وقول الآخر:
أعوذ بربّ العرش من فِئةٍ بَغَتْ ... عليَّ فما لي عَوْضُ إلّاهُ ناصِرُ
وليس هذا ضرورة لتمكّن قائل الأول من أن يقول:
وما أبالي إذا ما كنتِ جارتنا ... ألا يكونَ لنا خِلٌّ ولا جارُ
ولتمكّن قائل الثاني من أن يقول:
أعوذ برب العرش من فئة بغت ... عليّ فما لي غيرُه عوضُ ناصرُ
وأيضا فإن المعروف في كلام العرب إيقاع المنفصل موقع المتّصل للاضطرار كقول الشاعر:
بالوارث الباعث الأمواتِ قد ضمِنَتْ ... إيّاهم الأرضُ في دَهْر الدهارير
وأما وقوع المتصل موقع المنفصل للاضطرار فغير معروف. فلو لم يكن الأصل في الضمير المنصوب على الاستثناء بعد إلا الاتصال لم يَسُغ لقائلَيْ البيتين المذكورين أن يفعلا ما فَعَلا، كما لا يسوغ في المعطوف ولا في المفعول معه.
فإن قيل: لو كانت إلا عاملة لجرّت، لأن الجرّ هو اللائق بعمل الاسم الذي لا يشبه الفعل، ولذا حكم لعدا وخلا وحاشى بالحرفية إذا جَرَّتْ، وبالفعليّة إذا نصبَتْ.