ومما يدل على رجحان الثاني أنه موافق لما تؤثره العرب من التعليق بالأقرب والحمل عليه، وإن لزم من ذلك تفضيل زائد على غير زائد نحو خشّنت بصدره وصدر زيد، ففضّلوا جرّ المعطوف حملا على عمل الباء لقربها وإن كانت زائدة على نصبه حملا على خشّنت لبعده وإن لم يكن زائدا. ومما يدل على رجحان إعمال الثاني أن فيه تخلصا من الإخلال بحقّ ذي حقّ، وذلك أن لكل واحد من العاملين قسطا من عناية المتكلم، فإذا قدّم أحدهما وأعمل الآخر عدل بينهما، لأن التقديم اعتناء، والإعمال اعتناء، وإذا أعمل المتقدّم لم يبقِ للمؤخّر قسط من العناية، فكان المخلّص من ذلك راجحا.
ورجح بعض الناس إعمال السابق بثلاثة أشياء أحدها أن ترجيحه موافق لما أجمعت العرب عليه من مراعاة السابق في قولهم: ثلاث من البطّ ذكور، وثلاثة ذكور من البط، فآثروا مقتضى البط لسبقه فأسقطوا التاء، وآثروا مقتضى الذكور لسبقه فأثبتوا التاء. الثاني أن إعمال السابق مخلّص من تقديم ضمير على مفسّر مؤخر لفظا ورتبة في نحو ضربوني وضربت قومك. الثالث أن إعمال السابق موافق لما أجمع عليه في اجتماع القسم والشرط، فإن جواب السابق منهما مُغْنٍ عن جواب الثاني، فلْيكن عمل السابق من المتنازعين مغنيا عن عمل الثاني.
والجواب عن الأول أن يُقال لم يُعتبر في ترجيح ثاني المتنازعين كونه ثانيا، بل كونه قريبا من محل التأثير. ومسألة العدد المذكورة معتبر فيها أيضا القرب، واتفق مع القُرب سبقٌ فالأثر له، ولا يلزم منه مراعاة سابق بعيد. وعن الثاني أن تقديم الضمير إذا كان على شريطة التفسير مجمع على جوازه في باب نعم كقول الشاعر.
نِعْم امرأ هَرِمٌ لم تَعْرُ نائبةٌ ... إلّا وكان لمُرْتاعٍ بها وَزَرا
وفي باب رُبَّ كقول الشاعر:
واهٍ رأبتُ وشيكا صَدْعَ أعْظُمِه ... ورُبَّه عاطِبا أنْقذتُ مِن عَطَبِهْ