ولو كان في غير القرآن لقيل: قل الله يفتيكم فيها في الكلالة، وآتوني أفرغه عليه قطرا، والذين كفروا وكذبوا بها بآياتنا، وتعالوا يستغفر لكم إلى رسول الله، وهاؤم اقرءوهُ كتابيه، وأنهم ظنوا كما ظننتموه أن لن يبعث الله أحدا، لأن المعمول مقدر الاتصال بعامله فيلزم من ذلك تقدير تقدمه على العامل الثاني، ولو كان في اللفظ كذلك لاتصل به ضمير المفعول على الأجود نحو آتوني أفرغه عليه. وإذا نوى ذلك كان إبراز الضمير (أولى) لأن الحاجة أدعى.
وفي الحديث: "لعَنَ أو غَضب على سِبْط من بني إسرائيلَ فَمَسَخَهم". وهذا من أفصح الكلام وقد أعمل فيه الثاني، ولو أعمل الأولى لقيل: إن الله لعن أو غضب عليهم سبطا. ومما يدل على ترجيح إعمال الأقرب إذا كان ثانيا التزام إعماله إذا كان ثالثا أو فوق ذلك بالاستقراء، ولا يوجد إعمال غيره، ومن أجازه فمستنده الرأي. ومنه: اللهمّ صلّ على محمد وعلى آل محمد، وارحم محمدا وآل محمد، وباركْ على محمد وعلى آل محمد كما صلّيت ورحِمت وباركْتَ على إبراهيم. ولو أعمل الأول لقيل كما صلّيت ورحمتهم وباركت عليهم على آل إبراهيم. ومثله قول الشاعر:
جِئ ثم حالِف وثِق بالقوم إنَّهم ... لِمَنْ أجاروا ذوُو عزٍّ بلا هُونِ
وفي لزوم إعمال الأقرب إذا كان ثالثا دلالة بيّنة على رجحان إعماله إذا كان ثانيا.
ومما يدل على رجحان إعمال الثاني أنه مخلّص من ثلاثة أشياء منفّرة يستلزمها إعمال الأول أحدها كثرة الضمير كما رأيت في مسألة "صليت ورحمتهم وباركت عليهم". الثاني توالي حروف الجر نحو نبئت كما نبئت عنه عن زيد بخير. الثالث الفصل بين الفعل العامل والمعمول، والعطف على العامل قبل ذكر معموله.