واستغنى بالإشارة كما قالوا إذا كان غدا فائتني، أي إذا كان ما نحن عليه فأتني، ثم أبدل ثلاث الأثافي من المضير المنويّ.
ومذهب البصريين ترجيح إعمال الثاني على الأول. ومذهب الكوفيين العكس، وما ذهب إليه البصريون هو الصحيح، لأن إعمال الثاني أكثر في الكلام من إعمال الأول، وموافقة الأكثر أولى من موافقة الأقل. ومما يبين لك أن إعمال الأول قليل قول سيبويه: ولو لم تجعل الكلام على الآخر لقلت ضربت وضربوني قومك وإنما كلامهم ضربت وضربني قومك. وهذا حكاية عن العرب بالحصر بإنما وظاهره أنهم يلتزمون ذلك دون إجازة غيره.
لكنه قال في الباب بعد هذه العبارة بأسطار: وقد يجوز ضربت وضربني زيدا لأن بعضهم قد يقول متى رأيت أو قلت زيدا منطلقا، والوجه متى رأيت أو قلت زيد منطلق، فدل نقل سيبويه مجردا عن الرأي على أن إعمال الثاني هو الكثير في كلام العرب، وأن إعمال الأول قليل، ومع قلته لا يكاد يوجد في غير الشعر بخلاف إعمال الثاني فإنه كثير الاستعمال في النثر والنظم، وقد تضمنه القرآن المجيد في مواضع كثيرة منها قوله تعالى: (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة) وقوله تعالى (آتوني أفرغ عليه قطرا) وقوله تعالى: (و [أمّا] الذين كفروا وكذَّبوا بآياتنا) وقوله تعالى: (تعالوا يستغفر لكم رسولُ الله) وقوله تعالى: (هاؤُمُ اقرءوا كتابِيَهْ) وقوله تعالى: (وأنهم ظَنُّوا كما ظننتم أنْ لن يبعث الله أحدا) وهذا كله من إعمال الثاني.