أو مخففة" ولا يعترض على هذا بقوله تعالى (إنَّ هذه أمّتكم أمةً واحدةً)، و: (أنَّ المساجد لله)، لأن الأخفش جعل تقديرهما: ولأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون، ولأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا. فإن جواز هذا مرتب على تقدير اللام وتقدير الجر بها، وهي عند سيبويه أقوى من جعل أن في موضع نصب كما يراه الخليل، ولو قُدِّر نصبا لم يجز تقديمها كما لا يقدم في علمت أن زيدا منطلق، فإن المنصوب بحذف حرف الجر فرع المنصوب بمتعدّ، فلا يقع إلا حيث يقع، ومنصوب الفعل يعم المفعول به والظرف وغيرهما، فإذا كان أحد أسماء الاستفهام أو الشرط وجب تقديمه على الفعل نحو مَن رأيتَ؟ وأيَّهم لقيتَ، ومتى قدمتَ وأين قُمتَ؟ ومَن تكرمْ يكرمْك وأيَّهم تدْعُ يُجبْكَ ومتى تُعنْ تُعَنْ. وكذا المضاف إلى شيء منها نحو غلامَ من رأيتَ، وفعْلِ أيهم استحسنت؟ وكذا المنصوب بفعل وقع جوابا لأمّا نحو (فأمّا اليتيمَ فلا تقهرْ). وما سوى ذلك من منصوب بفعل متصرّف فجائز تقديمه عليه، إن ظهر النصبُ، أو أغنى عن ظهوره قرينة نحو زيدا ضرب عمرو، وحبارى صاد موسى. فإن كان الفعل صلة حرف أو مقرونا بلام الابتداء أو القسم وجب تأخير ما يتعلق به نحو من البِرّ أن تكُفَّ لسانَك وإن اللهَ ليُحبُّ المحسنين، ووالله لأقولنّ الحقَّ.
فإن خلا الفعل من ذلك جاز تقديم منصوبه عليه مطلقا خلافا للكوفيين في منع زيدا غلامُه ضربَ وغلامَه ضرب زيدٌ وغلامَ أخيه ضرب زيد، وما أراد أخذ زيدٌ، وما طعامَك أكل إلا زيدٌ. فإن الكوفيين يمنعون هذه المسائل وأشباهها، وهي جائزة لثبوت استعمالها، فمثال زيدا غلامُه ضرب قول رجل من طيّء في كعب بن زهير وأخيه رضي الله عنه ورحم كعبا:
كعبًا أخوه نهى فانقاد مُنْتهيا ... ولو أبى باءَ بالتخليد في سَقَرا