والأصل تقديم المفعول الذي هو فاعل معنى على المفعول الذي ليس كذلك كزيد من مسألة أعطيت زيدا درهما، فإنه مفعول في اللفظ فاعل في المعنى لكونه آخذا ومتناولا، بخلاف الدرهم فإنه مفعول في اللفظ والمعنى فأصله أن يتأخر وأصل الآخر أن يتقدم. وكذا الأصل تقديم ما يتعدى إليه الفعل بنفسه أبدا وتأخير ما يتعدى إليه بوجهين، لأن علقة ما لا يحتاج إلى واسطة أقوى من علقة ما يحتاج إليها، فلذلك يقال أعطيت درهمه زيدا واخترت قومَه عمرا، ولا يقال أعطيت صاحبَه الدرهم ولا اخترت أحدهم القومَ، إلا على قول من قال ضرب غلامُه زيدا.
ومثال وجوب ترك الأصل ما أعطيت درهما إلا زيدا وأعطيت الدرهم صاحبه. ومثال امتناع ترك الأصل ما أعطيت زيدا إلا عمرا وأعطيت زيدا عمرا، فالأول والثاني نظيرا ما ضرب عمرا إلا زيد، وضرب زيدا غلامُه، والثالث والرابع نظيرا ما ضرب زيد إلا عمرا، وضرب موسى وعيسى. وإلى هذا أشرت بقولي "واجب وجائز وممتنع لمثل القرائن المذكورة فيما مضى". وما خلا من سبب الوجوب، وسبب الامتناع فجائز بقاؤه على الأصل نحو كسوت زيدا ثوبا، ومخالفته للأصل نحو كسوت ثوبا زيدا.
فصل: ص: يجب تأخير منصوب الفعل إن كان أنّ مشددة أو مخففة، وتقديمه إن تضمن معنى استفهام أو شرط أو أضيف إلى ما تضمنهما أو نصبه جواب أما. ويجوز في غير ذلك إن علم النصب تأخير الفعل غير تعجيبي ولا موصول به حرف ولا مقرون بلام ابتداء أو قسم مطلقا خلافا للكوفيين في منع نحو زيدا غلامُه ضرب، وغلامَه أو غلامَ أخيه ضرب زيد، وما أراد أخذ زيدٌ وما طعامك أكل إلا زيدٌ، ولا يُوقَع فعلُ مضمرٍ متصل على مفسره الظاهر، وقد يُوقَع على مضاف إليه أو موصول بفعله.
ش: لا يجوز في علمت أنّكَ منطلقٌ، ولا خِلت أن ستفعل: أنك منطلق علمتُ، ولا أن ستفعل خلتُ، لأن أن المشدّدة والمخفّفة منها لا يبتدأ بهما كلام. وعلى هذا نبهت بقولي "يجب تأخير منصوب الفعل إن كان أنّ مشددة