على الوجه المذكور هو مذهب سيبويه والمحققين ممن تدبر كلامه، كأبي الحسن بن خروف، ابن طاهر، وأبي علي الشلوبين. ومما يدل على ذلك من كلام سيبويه قوله في باب إضمار المفعولين اللذين تعدى إليهما فعل الفاعل: وذلك أن حسبت بمنزلة كان، إنما تدخلان على المبتدأ والمبني عليه، فيكونان في الاحتياج على حال، ألا ترى أنك لا تقتصر على الاسم الذي بعدهما، كما لا تقتصر عليه مبتدأ، فالمنصوبان بعد حسب بمنزلة المرفوع والمنصوب بعد ليس وكان في احتياجهما إلى المرفوع والمنصوب فكما لا يقتصر على ليس وكان دون المرفوع والمنصوب، لا يقتصر على حسب ومرفوعها دون المنصوبين، وهذا واضح، ويؤيده قوله في آخر الباب الذي يلي الباب المشار إليه، بعد ذكر حسب وأخواتها: والأفعال الأُخر إنما هي بمنزلة اسم مبتدأ، والأسماء مبنية عليها، ألا ترى أنك تقتصر على الاسم كما تقتصر على المبني على المبتدأ" يريد أنك تقتصر على ضربت، كما تقتصر على المبتدأ وخبره. ثم قال: فلما صارت حسب وأخواتها بتلك المنزلة جعلت بمنزلة إنّ وأخواتها إذا قلت: أني، ولعلي؛ لأن إن وأخواتها لا تقتصر على الاسم الذي يقع بعدها"، فجعل افتقار حسب وأخواتها مع فاعلها إلى الجزأين كافتقار إنّ ولعل ومع منصوبيها إلى الخبر، وهذا أيضا واضح، وفي هذا الكلام تسوية بين حسبت وأخواتها، فعلم أنه حين قال: لأنك قد تقول: ظننت فتقتصر، لم يقصد الإطلاق ولا الاختصاص، بل قصد التنبيه على أن بعض المواضع قد يقتصر فيه على الفعل ومرفوعه لقرينة تحصل بها الفائدة، واكتفى بظننت اختصارا واتكالا على العلم بمساواة غير ظننت بظننت.
وذهب ابن السراج والسيرافي إلى جواز الاقتصار على مرفوع هذه الأفعال مطلقا، وكأن الذي دعاهما لهذا أن الأخفش قال في كتابه المسمى بالمسائل الصغرى: تقول: ضربَ عبد الله، وظن عبد الله، وأعلم عبد الله، إذا كنت تخبر عن الفعل" هذا نصه. والذي عندي في هذا أن الأخفش لم يقصد جواز الاقتصار مطلقا، بل