مع قرينة محصلة للفائدة، كقولك لمن قال: من ظنني ذاهبا؟ ظن عبد الله. ولمن قال: من أعلمك أني ذاهب؟ أعلم عبد الله. ولذلك قال: إذا كنت تخبر، فإن الناطق بما لا فائدة فيه ليس بمخبر.
وأشرت بقولي: "ولهما من التقديم والتأخير ما لهما مجردين". إلى أن الأصل تقديم المفعول الأول وتأخير المفعول الثاني، وأنه قد يعرض ما يوجب البقاء على الأصل، وما يوجب الخروج عنه، كما يعرض في باب الابتداء، فإن لم يعرض موجب لأحد الأمرين جاز التقديم والتأخير. فمن موجبات البقاء على الأصل تساويهما في تعريف أو تنكير نحو: ظننت زيدا صديقك، وعلمت خيرا منك فقيرًا إليك. ومن موجبات الخروج عن الأصل حصر المفعول الثاني نحو: ما ظننت زيدا إلا بخيلا. وقد بينت أسباب البقاء على الأصل والخروج عنه في باب الابتداء مستوفاة، فأغنى ذلك عن استيفائها هنا، واكتفى بالإحالة عليها.
ثم قلت: "ولثانيهما من الأقسام والأحوال ما لخبر كان" أي لثاني مفعولي هذه الأفعال من ذلك ما لخبر كان، وإنما كان له ما قرر كذلك لتساويهما في الخبرية واستحقاق النصب. وقد ذكرت الأقسام والأحوال هناك، فلم تكن هنا حاجة إلى ذكرها.
وقد يقع بعد إسناد هذه الأفعال إلى فاعلها ظرف أو جار ومجرور أو ضمير أو اسم إشارة، فيمتنع الاقتصار عليه، إن كان أحد المفعولين لا إن لم يكن أحدهما، فالاقتصار على "عندك" إذا قلت: ظننت عندك، جائز إن جعل ظرفا لحصول الظن، وغير جائز إن جعل مفعولا ثانيا والآخر محذوف. والاقتصار على "لك" إذا قلت: ظننت لك، جائز إن جعل علة لحصول الظن، وغير جائز أن جعل مفعولا ثانيا والآخر محذوف. وكذا لو قلت: ظننته، أو ظننت ذاك مقتصرا، جاز إن عنى بالضمير واسم الإشارة المصدر، ولم يجز أن عنى أحد المفعولين ولم يفهم الآخر بدليل، كقول من قيل له: أظننته صديقك؟ نعم ظننته. وقال الفراء في: ظننته ذاك، ذاك إشارة إلى الحديث، أجرته العرب مجرى المفعولين، يقول القائل: كان من الأمر كذا كذا، فيقول المخبر: قد ظننت ذاك. قال ابن خروف: وهو قول لا بأس به. وقال أبو زيد في مصادره: خلت ذاك إخاله خالا. والأظهر أن يكون ذاك إشارة إلى الحديث لذكره المصدر بعد.