إن ولا ولات

واستشهد على ذلك بعض النحويين بقول الشاعر:

وما الدهرُ إلا مَنْجَنُونا بأهله ... وما صاحبُ الحاجات إلا معذبا

وتكلف في توجيه هذا البيت بأن قال: منجنونا منصوب نصب المصدر الذي يستغنى به عن خبر المبتدأ المقصود حصر خبره، فكأنه قال: وما الدهر إلا يدور بأهله دوران منجنون، أي: دولاب، ثم حذف الفعل على حد تسير إذا قيل: ما أنت إلا سير البريد، ثم حذف المضاف وهو دوران، وأقيم المضاف إليه مقامه وهو منجنون. وأما إلا معذبا فمثل: إلا تعذيبا، لأن مُفَعّلا من فَعّل بمنزلة تفعيل، ومنه قوله تعالى: (ومَزّقناهم كل مُمَزَّق).

وهذا عندي تكلف لا حاجة إليه، فالأولى أن يجعل منجنونا ومعذبا خبرين لما منصوبين بها، إلحاقا لها بليس في نقض النفي، كما ألحقت بها في عدم النقض. وأقوى من الاستشهاد بهذا البيت الاستشهاد بقول مغلس:

وما حقُّ الذي يعثُو نهارا ... ويسرقُ ليله إلا نَكالا

وإذا عطف على خبر ما المنصوب ببل ولكنْ لم يجز في المعطوف إلا الرفع، كقولك: ما زيدٌ قائما بل قاعدٌ، وما خالد مقيما بل ظاعن، وإنما لم يجز ههنا في المعطوف إلا الرفع لأنه بمنزلة الموجب بإلا. وقياس مذهب يونس ألا يمتنع نصب المعطوف ببل ولكن.

ص: وتُلحق بها "إنْ" النافية قليلا، و"لا" كثيرا، ورفعها معرفة نادر، وتُكْسَعُ بالتاء فتختص بالحين أو مرادفه، مُقْتَصرا على منصوبها بكثرة، وعلى مرفوعها بقلة، وقد يضاف إليها "حين" لفظا أو تقديرا، وربما استغنى مع التقدير عن "لا" بالتاء. وتهمل "لات" على الأصح إن وليها هَنّا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015