وأما الوجه الثالث من الخمسة، وهو أن يغني فاعل المصدر عن الخبر إغناء الفاعل عنه في نحو: أقائم الزيدان، فضعفة بَيِّن، لأنه لو صح لصح الاقتصار على المصدر والفاعل، كما يصح الاقتصار على الوصف وفاعله، فكان يقال: ضربى، فيحسن السكوت عليه، لأن فيه معنى ضربت، كما يحسن السكوت على: أقائم الزيدان؟ لأن فيه معنى: أيقوم الزيدان؟ وفي امتناع ذلك، وجواز هذا، دليل على فساد القول بتساويهما.

وأما الوجه الرابع، وهو أن تكون الحال مغنية عن الخبر لشبهها بالظرف فغير صحيح أيضا، لأن الحال إذا أقيمت مقام الخبر لشبهها بالظرف، فإما أن لا يقدر لها عامل أو يقدر، فإن لم يقدر لها عامل لزم من ذلك استغناؤها عما لا يستغنى عنه الظرف، مع أنه أصل بالنسبة إليها، ولو جاز ذلك مع المصدر لجاز مع غيره، فكان يقال: زيد قائما، لأنه بمعنى في حال قيام. وإن قدر لها عامل لم يكن ذلك العامل إلا مثل المقدر للظرف، فكما يقال في قولك: زيد في حال قيام، تقديره: زيد مستقر في حال قيام، كان يقال في: ضربى زيدا قائما، ضربى زيدا مستقر قائما، فيلزم من ذلك الإخبار عن الضرب بما للضارب، وذلك محال، وما أفضى إلى المحال محال. وصاحب هذا الوجه الرابع هو ابن كيسان، قال في كتابه: وقد يجعلون الحال خبرا للمصدر كالوقت، فيقولون: ضربك زيدا قائما، وخروجك معنا راكبا، قال: وقد يجعلون الواو خبرا للمصدر، لأنها تكون بمعنى الحال والوقت، كقولك: قيامك والناس قعود، وخروجك والركب يسير. وقال: المصدر يكون خبره الحال كقولك: قيامك محسنا، وإحسانك قائما، يريد: قيامك في إحسانك، وإحسانك في قيامك.

وأما الخامس فإنه وجه يلزم أبا على القول به، لأنه أجاز في قولهم: أول ما أقول إني أحمد الله، بالكسر، أن يكون "إني" محكيا بالقول، فيكون من صلته، ويكون خبر المبتدأ الذي هو: أول ما أقول، محذوفا، كأنه قال: أول قولي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015