هذا الكلام ثابت. فكما جاز أن يحذف الخبر هناك بلا دليل زائد على الحاجة إليه، كذلك يلزمه تجويز حذف الخبر هنا، وتقديره بمثل ما قدَّره هناك، لأن الحاجة إليهما سواء، والمخبر عنه في الصورتين مصدر، لأن أول القول قولي. والصحيح في قولهم: أول ما أقول إني أحمد الله، بالكسر، أن يكون كلاما تاما، فيجعل "أول ما أقول" مبتدأ، و"إني أحمد الله" خبره. كأنه قال: مبتدأ كلامي هذا الكلام. ولا يصح أن يقدر "ثابت" خبرا، لأن ذلك يقتضي ثبوت أول هذا القول، وأول الشيء غير جميعه، فيكون الثابت أول حرف من الجملة، إن نويت حروفها، وأول كلمة منها إن نويت كلماتها، وكلاهما ليس مقصودا، فتعين كونه مردودا. وأيضا فإن تقدير "ثابت" خبرا بعد: إني أحمد الله، وبعد: ضربى زيدا قائما، وأمثالهما، تقدير ما لا دليل عليه، إذ ليس هو بالتقدير أولى من غيره من المقدرات الممكنة، وحذف ما كان في حذفه ذلك ممنوع.
وفي رد هذا الوجه الخامس إشعار برد الوجه السادس، لأن مبناه على تقدير ما لا يتعين تقديره، وتقدير ما عدم نظيره. فثبت بمجموع ما ذكرته أن أولى الأوجه الستة بالصواب ما ذهب إليه الأخفش، ويليه الأول، وما سواهما ضعفه بيّن، واطراحه متعين.
وأجاز الأخفش في نحو: أخطب ما يكون الأمير قائما، رفع قائم خبر أخطب، فيلزم من ذلك ارتكاب مجازين:
أحدهما: إضافة "أخطب" مع أنه من صفات الأعيان إلى "ما يكون" وهو في تأويل الكون.
والثاني: الإخبار بقائم مع أنه في الأصل من صفات الأعيان عن "أخطب ما يكون" مع أنه في المعنى كون، لأن أفعل التفضيل بعض ما يضاف إليه، والحامل على ذلك قصد المبالغة، وقد فتح بابها بأول الجملة، فعضدت بآخرها مرفوعا.
وإلى هذا أشرت بقولي: "ورفعها خبرا بعد أفعل مضافا إلى ما موصولة بكان أو يكون جائز. وقولي: وفعل ذلك بعد مصدر صريح دون ضرورة ممنوع" أشرت به إلى نحو قول القائل: ضربى زيدا قائم، على تقدير: وهو قائم، فحقه أن يمنع مطلقا،