وكذا: له عليّ ألف إلا ألف آخر، أي: لكن ألف آخر له على، فأبقى المبتدأ وصفته، وحذف الخبر. وأما: إلا رمادا، فاستثناء محقق لأنه وصف الرماد بالهمود ودفع الأثاني عنه الرياح المترددة عليه، وفي هذا إشعار بأنه درس بعض الدروس. وأما: إلا ما شاء ربك فاستثناء محقق من فيها، لأن لأهل النار أنواعا من العذاب غير النار، مما وصف لنا ومما لم يوصف، فإلى ذلك أشير بإلا ما شاء ربك، وكذلك أهل الجنة لهم أنواع من النعيم غير الجنة، مما وصف لنا ومما لم يوصف، فإلى ذلك أشير، والله أعلم.

وأجاز الكوفيون استعمال "ليس" حرفا عاطفا فيقولون: قام زيد ليس عمرو، كما يقال: قام زيد لا عمرو. ومن أجود ما يحتج لهم به قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه: "بأبي شبيه بالنبي ليس شبيه بعلي" كذا ثبت في صحيح البخاري برفع شبيه، كما يقال: بأبي شبيه بالنبي لا شبيه بعلي. ومما يحتج لهم به أيضا قول الراجز:

أينَ المفرُّ والإلهُ الطالب ... والأشرمُ المغلوبُ ليس الغالبُ

كما يقال: والأشرم المغلوب لا الغالب.

وهذا التنظير لا يلزم، لإمكان غيره مما لا خلاف في جوازه، وذلك لأنه يجوز أن يكون خبر كان وأخواتها ضميرا متصلا، ثم يحذف منويا ثبوته، كما يفعل إذا كان الضمير مفعولا به، فيقال: صديقك إني كنته، ثم يترك الضمير من اللفظ تخفيفا فيقال: صديقك إني كنت، كما يقال: صديقك إني أكرمت، فكذلك يقدر قول أبي بكر رضي الله عنه: ليسه شبيه بعلي، فيجعل "شبيه" اسم ليس، والهاء خبرها محذوفا، واستغنى بنيته عن لفظه، قال الشاعر:

فأطعَمَنا من لحمها وسَديفها ... شواءً وخيرُ الخيرِ ما كان عاجلُه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015