والجواب عن الشبهة الثانية أن المعاقبة التي في: قام إما زيد وإما عمرو، وقام إما زيد أو عمرو. شبيهة بالمعاقبة التي في: لا تضرب زيدا ولا عمرا، ولا تضرب زيدا أو عمرا، ولا خلاف في انتفاء تأثيرها مع لا، فليكن منتفيا مع إما، ليتفق المتماثلان ولا يختلفا.
وأجاز الأخفش العطف بإلا، وحمل عليه قوله تعالى (لئلا يكون للناس عليكم حجةٌ إلا الذين ظلموا منهم) واستشهد على ذلك بقول الشاعر:
وأرى لها دارا بأغدرة الـ ... سيدان لم يدرس لها رسم
إلا رمادا هامِدا دفعت ... عنه الرياحَ خَوالدٌ سُحْمُ
قال الأخفش: وأرى لها دارا ورمادا، وقال الفراء في قوله تعالى: (لا يخافُ لديّ المُرسَلون* إلا من ظَلَم) وقال بعض النحويين: إلا بمعنى الواو، أي لا يخاف لدي المرسلون ولا من ظلم ثم بدّل حُسْنا بعد سُوء، واستبعد ذلك، وأجاز أن يكون إلا بمعنى الواو في نحو: له عندي ألف إلا ألف آخر، وفي قوله تعالى: (خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك).
قلت: ولا يلزم كون إلا بمعنى الواو في شيء من هذه المواضع لإمكان الاستثناء فيها، وإمكانه في الآية بأن يكون التقدير: إلا ظلم الذين ظلموا وعنادهم، ثم حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، كما تقول: لا بكاء في الدار إلا من لا يحزن. ويجوز كون إلا بمعنى لكن، والذين مبتدأ، وخبره فلا تخشوهم واخشوني، وعلى هذا يحمل: (إلا مَنْ ظلم ثم بدل حُسْنا بعد سُوء فإني غفور رحيم)