الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
أما بعد: قال الإمام المنذري رحمه الله: [الترغيب في الفقر وقلة ذات اليد، وما جاء في فضل الفقراء والمساكين والمستضعفين وحبهم ومجالستهم].
عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن بين أيديكم عقبة كؤوداً لا ينجو منها إلا كل مخف) رواه البزار بإسناد حسن.
وعن أم الدرداء عن أبي الدرداء رضي الله عنهما قالت: قلت له: ما لك لا تطلب ما يطلب فلان وفلان؟ قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن من ورائكم عقبة كؤوداً لا يجوزها المثقلون.
فأنا أحب أن أتخفف لتلك العقبة.
رواه الطبراني بإسناد صحيح.
وعن أبي أسماء: أنه دخل على أبي ذر وهو بالربذة، وعنده امرأة سوداء مسغبة ليس عليها أثر المحاسن ولا الخلوق، فقال: ألا تنظرون إلى ما تأمرني هذه السويداء؟ تأمرني أن آتي العراق فإذا أتيت العراق مالوا علي بدنياهم وإن خليلي صلى الله عليه وسلم عهد إلي أن دون جسر جهنم طريقاً ذا دحض ومزلة، وإنا إن نأتي عليه وفي أحمالنا اقتدار واضطمار أحرى أن ننجو من أن نأتي عليها ونحن مواقير.
رواه أحمد، وروايته رواية الصحيح.
هنا يذكر الإمام المنذري رحمه الله: الترغيب في الفقر وقلة ذات اليد، وما جاء في فضل الفقراء والمساكين.
وكأن المعنى: أن الإنسان إذا لم يعطه الله عز وجل مالاً فليحمد الله سبحانه تبارك وتعالى، ولا يتنافس مع أهل الدنيا، فإن الله قسم الأرزاق، فجعل من الناس من هو غني، ومنهم من هو فقير، ومنهم من هو شريف، ومنهم من هو وضيع ضعيف، فالله يقسم في خلقه ما يريد سبحانه.
فالغرض أن يرضى الإنسان بما قسمه الله عز وجل له، فإذا أغناه شكر الله سبحانه، وإذا أفقره حمد الله سبحانه وشكره، وصبر على ما ابتلاه به، ولا يحسد الناس على ما آتاهم الله عز وجل من فضله.
فالمؤمن إذا افتقر فهو ينظر إلى رحمة رب العالمين، ويتسلى ويتصبر بما جاء في هذه الأحاديث عن النبي صلوات الله وسلامه عليه.
فإذا أغناه الله عز وجل فليحذر وليخف على نفسه أن تفتنه الدنيا، وأن يمنع الحقوق عن أصحابها.
فيكون في حاليه من فقر وغنى حامداً لله سبحانه، شاكراً له، صابراً في أمر الفتنة التي هو فيها، سواء فتنة الغنى أو فتنة الفقر.