ومن الأحاديث في ذلك حديث ابن عمرو الذي رواه البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أربعون خصلة أعلاهن منيحة العنز، ما من عامل يعمل بخصلة منها رجاء ثوابها أو تصديق موعودها إلا أدخله الله بها الجنة)، فالأعمال الحسنة التي يعملها الإنسان لابد أن يكون الذي يفعلها مصدقاً بموعودها؛ لأن ربنا سبحانه وتعالى وعد على فعل الحسنات الجنة، فيفعل العبد ذلك وهو مستيقن من كلام رب العالمين سبحانه، ويفعل ذلك وهو يرجو الثواب الذي ذكر في الحديث.
ومنيحة العنز هي: أن يعطي المسلم أخاه المسلم عنزته ليحلبها ويستفيد من لبنها ثم يعيدها له بعد ذلك، فهذه هي المنيحة.
فهنا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن هناك أربعين خصلة أعلاهن منيحة العنز، فبدأ الصحابة يعدون الحسنات التي هي على أعمال بسيطة وسهلة بحيث تكون هذه الأعمال تحت منيحة العنز في الأجر، وذلك من أجل أن يعملوا بها ليحصلوا على الأجر الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر راوي الحديث أنهم ما استطاعوا أن يبلغوا خمس عشرة خصلة، فمما ذكروه: تشميت العاطس، يعني: أنه من الأعمال السهلة التي تدخل بها الجنة، فإذا عطس الإنسان وقال: الحمد لله، فادع الله له وقل: يرحمك الله، ولاحظ أن الحديث قال فيه صلى الله عليه وسلم: (ما من عامل يعمل بخصلة منها رجاء ثوابها أو تصديق موعودها) أي: تقول ذلك لترجو الثواب من الله سبحانه وتعالى، ولا تقول ذلك مزاحاً أو استهزاء.
فالذي يأخذ الثواب هو الذي يرجو هذا الثواب، ويكون مصدقاً بما قاله النبي صلى الله عليه وسلم، فالأمر جد وليس مزاحاً، فالذي يمزح في هذه الأشياء يضيع سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ويستخف بها، ويفتح باب لأهل الاستهزاء بأن يستهزءوا بسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
ولعل الذي يفعل ذلك يسن سنة سيئة يتبعه الناس عليها، ويكون (عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى قيام الساعة)، ولا يبعد أن يكفر هذا الإنسان الذي يستهزئ بسنة النبي صلى الله عليه وسلم على هذا النحو، فدائماً الوسائل الشرعية لابد أن ترجو فيها الثواب، واحذر من إدخال المزاح فيها.
فلا تسليم في مزاح، ولا تشميت للعاطس في مزاح، بل أولى لك أن تسكت، وذلك خير من أنك تقول كلاماً يؤخذ على أنه استهزاء ويضحك الناس: (وإن العبد ليتكلم بالكلمة من غضب الله ما يلقي لها بالاً تهوي به في النار سبعين خريفاً).
فهنا يذكر لنا الأشياء التي هي دون منيحة العنز مثل: تشميت العاطس، وإماطة الأذى عن الطريق ونحو ذلك من الأشياء، وفي هذا إشارة إلى أن الأعمال مهما كانت صغيرة في نظر الإنسان فيجب أن يعملها وهو يرجو الثواب من الله، ويكون مصدقاً بموعود الله؛ حتى ينال الأجر على تلك الأعمال.