الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحابته أجمعين.
[روى ابن حبان عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن رجلاً مر على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في مجلسه فقال: سلام عليكم، فقال: عشر حسنات، ثم مر آخر فقال: سلام عليكم ورحمة الله، فقال: عشرون حسنة، ثمر مر آخر فقال: سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فقال: ثلاثون حسنة، فقام رجل من المجلس ولم يسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما أوشك ما نسي صاحبكم، إذا جاء أحدكم إلى المجلس فليسلم، فإن بدا له أن يجلس فليجلس، وإن قام فليسلم، فليست الأولى بأحق من الآخرة).
وروى البخاري عن ابن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أربعون خصلة أعلاهن منيحة العنز، ما من عامل يعمل بخصلة منها رجاء ثوابها وتصديق موعودها إلا أدخله الله بها الجنة)، قال حسان: فعددنا ما دون منيحة العنز من رد السلام وتشميت العاطس وإماطة الأذى عن الطريق ونحوه، فما استطعنا أن نبلغ خمس عشرة].
هذان الحديثان وغيرهما عن النبي صلى الله عليه وسلم ذكرها الإمام المنذري رحمه الله في الترغيب في إفشاء السلام، فحديث أبي هريرة رضي الله عنه: (أن رجلاً مر على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في مجلسه فقال: سلام عليكم، فقال: عشر حسنات)، يعني: تؤجر في قولك السلام عليكم عشر حسنات، (ثم مر آخر وقال: سلام عليكم ورحمة الله، فقال: عشرون حسنة، ثم مر الثالث فقال: سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ثلاثون حسنة) أي: أن الإنسان إذا سلم فاختصر وقال: السلام عليكم، أخذ عشر حسنات، فإذا زاد: ورحمة الله، أخذ عشرين، فإذا زاد: وبركاته، أخذ ثلاثين حسنة.
وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في مسند أحمد حديث فيه: (حق على من قام على جماعة أن يسلم عليهم، وحق على من قام من مجلس أن يسلم)، ففي الحديث جعل السلام على الناس من الحقوق لهم سواء عند الدخول عليهم أو عند الانصراف عنهم.
ولما قال ذلك صلى الله عليه وسلم قام رجل ولم يسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أوشك ما نسي صاحبكم)، وفي الحديث الذي في مسند أحمد قال: (ما أسرع ما نسي).
فالنبي صلى الله عليه وسلم أخبرهم بفضل رد السلام، وأنك إذا جئت إلى مجلس فحق عليك أن تسلم، وإذا قمت من المجلس فحق عليك أن تسلم، وأخبرهم بذلك منذ لحظات قليلة في نفس المجلس، فالرجل جلس فلما قام نسي ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم متعجباً: (ما أسرع ما نسي)، ثم قال صلى الله عليه وسلم: (إذا جاء أحدكم إلى المجلس فليسلم، فإن بدا له أن يجلس فليجلس، وإن قام فليسلم، فليست الأولى بأحق من الآخرة).
فالإنسان إذا دخل على قوم ينبغي عليه أن يلقي عليهم السلام ويحييهم، وهو بذلك يدعو لهم بالتحية، ويدعو لهم بالأمن والطمأنينة، يعني: إني أجلس معكم في أمن وأمان، فهذا يطمئن له المجلس بعكس الذي يأتي ويجلس من غير أن يرد السلام، فإنهم سوف يتوجسون منه خيفة: لماذا جاء؟ وماذا يريد؟ وما هو الذي أقعده من غير أن يسلم؟ فالتسليم تحية بين المسلمين، وطمأنينة فيما بينهم.