من الأحاديث التي جاءت في الباب حديث رواه الطبراني في الأوسط من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أعجز الناس من عجز في الدعاء، وأبخل الناس من بخل بالسلام).
العجز: هو عدم القدرة على فعل الشيء، فالإنسان العاجز هو الإنسان الضعيف، فأضعف الناس وأعجز الناس عن فعل الخير هو الذي يعجز عن الدعاء؛ لأنه يستكثر أن يرفع يديه ويقول: يا رب.
(أبخل الناس من بخل بالسلام)، وانظروا المثل الذي ذكره لنا النبي صلى الله عليه وسلم في القصة التي حصلت معه، يروي جابر بن عبد الله رضي الله عنه: (أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن لفلان في حائطي عذقاً، وإنه قد آذاني وشق علي مكان عذقه، فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: بعني عذقك الذي في حائط فلان) أي: كان أحد الصحابة له بستان، وكان لصاحبه نخلة داخلة في هذا البستان، وكان صاحب البستان متأذي من هذه النخلة، فأراد من صاحبها إما أن يبيعها له وإما أن يقطعها ويأخذها، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لصاحب النخلة: (بني عذقك الذي في حائط فلان)، فالرجل قال: لا، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم لو أخذ من أحد شيئاً فسرعان ما يعطيه أضعافاً على هذا الشيء، فإنه كان يأخذ ويكافئ صلى الله عليه وسلم، فإن لم يعط في الدنيا كان له الأجر والثواب عند الله عز وجل، وهذا هو المقصود الأسمى لكل مؤمن، فأبى الرجل، فقال صلى الله عليه وسلم: (فبعنيه بعذق في الجنة)، يعني: بعني النخلة هذه بعذق مثله في الجنة، فقال الرجل: لا، والنبي صلى الله عليه وسلم يضمن له ذلك، والرجل يقول: لا، فهذا رجل عجيب جداً وبخيل جداً.
فلما قال الرجل ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما رأيت الذي هو أبخل منك) يعني: أنت أبخل واحد رأيته، ومع ذلك يوجد من هو أبخل منك: (ما رأيت الذي هو أبخل منك إلا الذي يبخل بالسلام).
وفي حديث آخر لـ عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أسرق الناس الذي يسرق صلاته، قيل: يا رسول الله وكيف يسرق صلاته؟ قال: لا يتم ركوعها ولا سجودها، وأبخل الناس من بخل بالسلام).
فالسرقة حرمها الله سبحانه وتعالى، فكونك تسرق مال الغير هذه مصيبة، ولكن أشد منها أن تسرق من صلاتك؛ لأنه عندما يسرق مال الغير يظن أنه سينتفع بهذا المال الذي يأخذه، وأما الذي يسرق من صلاته فأي نفع له في هذه السرقة، فقد صلى وأتعب نفسه ثم أخذت الصلاة ورُجمت في وجهه ولم تُقبل منه، فهذا أسرق الناس، فهو قد سرق من صلاته من أجل أن يضيعها ولا تقبل منه وضيع وقته هباء، فلا انتفع بوقته ولا صلى صلاةً تنفعه وتقبل منه، فهذا أسرق الناس، والصحابة رضي الله عنهم تعجبوا كيف أن الشخص يسرق الصلاة، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (لا يتم ركوعها ولا سجودها) يعني: يركع ولا يطمئن في الركوع، ويسجد ولا يطمئن في السجود، فهذا الذي سماه ووصفه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه ينقر صلاته نقراً.
وإنك لترى الكثير من الناس يفعلون ذلك، فتجده لا يطمئن في صلاته أبداً، ولا يكاد يقرأ الفاتحة حتى يركع ويرفع ثم يسجد بدون أن يطمئن في صلاته، فهل أصبحت الصلاة لعباً: قيام ثم قعود وهكذا!! فهذه صلاة غير مقبولة، وقد حكم النبي صلى الله عليه وسلم عليها بذلك، فالرجل الذي صلى أمامه هذه الصلاة قال له صلى الله عليه وسلم: (ارجع فصل فإنك لم تصل)، وإذا لم تصح الصلاة فهي ليست مقبولة عند الله عز وجل.