ومن تلك الأحاديث: حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم -وجاء نحوه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة)، فالإنسان المؤمن يعين أخاه المؤمن، وإذا كان في كربة فينفس عنه ويفسح له ويزيل عنه هذه الكربة التي قد ضاقت بها نفسه، فيفرج عنه هذه الكربة، والجزاء من جنس العمل، فكما هو فرج عن مؤمن فالله عز وجل يفرج عنه كربة من كرب يوم القيامة، وما أكثر الكربات يوم القيامة! فإنه يوم عظيم صعب طويل، وكربات الدنيا لا تدوم فمهما كانت فستنتهي.
فالإنسان لو كان عمره ستين سنة أو سبعين سنة عمر، وكانت عليه الكربة عمره كله فإنها إذا قورنت بيوم القيامة الذي مقداره خمسون ألف سنة فإنها تكون لا شيء.
فالمؤمن حين يفرج عن أخيه كربة من كرب الدنيا يفرج الله عز وجل عنه هول موقف من مواقف يوم القيامة، وكربة من كربات الحساب يوم القيامة.
قال: (ومن ستر على مسلم ستره الله في الدنيا والآخرة)، والشاهد من الحديث قوله: (ومن ستر على مسلم)، ورحمة ربنا سبحانه وتعالى عظيمة، فإذا نفست عن مسلم كربة يفرج الله عنك يوم القيامة، ويدخر ذلك إلى يوم القيامة، ولعله يفرج عنك في الدنيا أيضاً، ولكن الحديث ذكر هنا أن الستر على المسلم الجزاء فيه عاجل، فالجزاء العاجل أنك تستر على المسلم فيسترك الله الآن، ولا يكون هذا هو الجزاء الكامل، بل كذلك يوم القيامة يكون لك ستر، فيستر عليك مرتين في الدنيا وفي الآخرة.
والإنسان قد يكون بينه وبين أخيه شيء، فحين يرى شيئاً من أخيه يقول في نفسه: سأفضحه؛ لأنه في اليوم الفلاني عمل لي كذا، وكان يغيظني، وكان يدعي أنني لا أحبه، فسأفضح هذا الإنسان، لكن الإنسان المؤمن قلبه يخوفه بالله سبحانه وتعالى، فلا تجاز الإنسان بالذي يفعله، ولكن استر؛ حتى يسترك الله تبارك وتعالى، فإذا ضغط على نفسه وعلى مشاعره التي فيها الغيظ من أخيه المسلم وستر عليه جازاه الله عز وجل الجزاء العاجل أن يستر عليه.
والستر على المسلم ليس معناه أننا نتركه في المعصية، بل مر بالمعروف وانه عن المنكر، واستر هذا الإنسان ولا تفضحه عند الناس، ولا يكون الغرض من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الفضيحة للإنسان، وإنما يكون الغرض النصيحة وتقليل المنكرات وكف الشرور.