قال رحمه الله تعالى: [فالمجوسية الذين كذبوا بقدر الله، وإن آمنوا بأمره ونهيه، فغلاتهم أنكروا العلم والكتاب، ومقتصدوهم أنكروا عموم مشيئته وخلقه وقدرته، وهؤلاء هم المعتزلة ومن وافقهم].
سمي هؤلاء بالمجوسية؛ لأن أشهر من عُرف من الأمم بالتكذيب بالقدر هم المجوس، وهذا تسبب في أنهم عبدوا إلهين، وزعموا أن الشيطان هو خالق الشر، فعبدوه من دون الله، ويسمونه: إله الشر، وهم أكثر من تعمّق في هذه المسألة إلى حد أنهم ألّهوا الشيطان وعبدوه من دون الله، ولا يزال إلى الآن توجد فرقة في العراق هم من عبدة الشيطان، وهي نزعة أو فصيل من فصائل الاتجاه المجوسي، وإن كانوا ينتسبون إلى ديانة أخرى، والمهم أن هذه النزعة أصلها في المجوس، ويوجد مثلها أو ما هو أقل منها عند جميع الأمم، ونظراً لأن الله عز وجل قد كتب الافتراق على جميع الأمم، فإنه ما من فرقة من فرق الديانات الكتابية إلا وفيها فرقة مجوسية قدرية، وكذلك هذه الأمة حين كتب الله عز وجل أنها ستفترق، وأنها ستتبع سَنن من كان قبلها من الأمم، فقد تأثرت بسنن المجوس، فدخلت الفلسفة المجوسية إلى المسلمين من خلال مذهب القدرية الأولى، والتي أنكرت جميع مراتب القدر، بمعنى: أنها أنكرت علم الله عز وجل بالشر، وكتابته للشر، ومشيئته وخلقه، ثم نشأ عنها مذهب المعتزلة -لما رأوا قوة مواجهة السلف لهذا المذهب، وأن السلف كفّروا من يُنكر العلم والكتابة بقطعية النصوص- الذين تأولوا لأنفسهم وقالوا: بنفي قدر الله عز وجل فيما يتعلق بالمشيئة والخلق، وقالوا أيضاً: إن الله عز وجل لا يشاء الشر ولا يخلقه، ولذلك أُلزموا بأن يقولوا: بأن الإنسان خالق أفعال، وهذا إلزام عقلي حتمي؛ لأنهم إذا كانوا يزعمون أن الله عز وجل لم يقدر الشر، ولم يشأه، ولم يخلقه، مع أن الله عز وجل قال: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء:35]، وقال: {قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الرعد:16]، إلا أنهم مع ذلك حين قالوا بهذه المقولة قال لهم السلف: إذاً هذه الأفعال التي هي أفعال الشر وتقولون بأنها ليست من خلق الله، لابد أن يكون لها خالق، وبالنسبة للإنسان فلأنه نشأتْ منه أفعال الشر، فإنه يكون خالق أفعال، وعليه فهذا المذهب راجع إلى القدرية المجوسية.