قال المؤلف رحمه الله تعالى: [إذا عُرف ذلك فتأويل ما أخبر الله تعالى به عن نفسه المقدسة، المتصفة بما لها من حقائق الأسماء والصفات، هو حقيقة لنفسه المقدسة المتصفة بما لها من حقائق الصفات، وتأويل ما أخبر الله به تعالى من الوعد والوعيد هو نفس ما يكون من الوعد والوعيد.
ولهذا ما يجيء في الحديث نعمل بمحكمه ونؤمن بمتشابهه؛ لأن ما أخبر الله به عن نفسه وعن اليوم الآخر فيه ألفاظ متشابهة، يشبه معانيها ما نعلمه في الدنيا، كما أخبر أن في الجنة لحماً ولبناً وعسلاً وخمراً ونحو ذلك، وهذا يشبه ما في الدنيا لفظاً ومعنى، ولكن ليس هو مثله ولا حقيقته كحقيقته].
ولذلك لا يمكن أن يقر عاقل بأن نفسر اللحم بأنه ليس المقصود به حقيقة اللحم المعروف، نعم لحم الطير في الجنة أعظم وأرقى وألذ من لحم الطير في الدنيا، لكن هو لحم، فلا يجوز تأويله، وكذلك لا يجوز تأويل الخمر أو اللبن بمعنى آخر، فهو لبن حقيقي، وخمر حقيقي، ولحم حقيقي، وماء حقيقي، لكن من حيث الكيفية يختلف عما في الدنيا، فهو أعظم وألذ وأرقى وأفضل بدرجات لا تتناهى مما في الدنيا.
إذاً: اجتمعت هذه المعاني في الحقائق العامة واختلفت في الكيفيات، فكذلك من باب أولى أسماء الله عز وجل، فهي كمال، والله له الكمال المطلق فيها، فلا يجوز تأويلها، كما لا نؤول جميع أخبار الغيب، وأول الغيب وأعظمه ما يتعلق بذات الله وأسمائه وصفاته.