فلا تقع بعد (هل) مثلاً، هذا الأصل فيها، مع أنه جاء في رواية من روايات الحديث في كتاب الإيمان أن هرقل قال له: "سألتك هل يزيدون أم ينقصون؟ " وجاء في حديث جابر: ((هل تزوجت بكراً أم ثيباً؟ )) فهذا يدل على الجواز، وفي شرح القسطلاني في كتاب الإيمان في الموضع الثاني، يقول: "سألتك هل يزيدون أم ينقصون؟ " وفي الرواية السابقة: الاستفهام بالهمزة وهو القياس؛ لأن أم المتصلة مستلزمة لهمزة، وأجيب بأن أم هنا منقطعة، أي بل ينقصون فيكون إضراباً عن سؤال الزيادة، واستفهاماً عن النقصان، على أن جار الله أطلق على أنها لا تقع إلا بعد الاستفهام فهو أعم من الهمزة، يعني تقع بعد أي حرف من حروف الاستفهام، والمراد بجار الله الزمخشري كما هو معروف.
قال أبو سفيان: "قلت: بل يزيدون" قال هرقل: "فهل يرتد أحد منهم سخطةً؟ " بفتح السين المهملة، (سخطةً) منصوب مفعول لأجله، أو حال أي ساخطاً أي كراهةً وعدم رضا، وجوز ابن حجر (سخطةً) الضم والفتح، سُخطةٌ وسَخطةً، أي فهل يرتد أحد منهم كراهةً لدينه بعد أن يدخل فيه؟ أخرج به من ارتد مكرهاً، أو لا سخطاً لدين الإسلام بل لرغبةٍ في غيره كحظٍ نفساني، كما وقع لعبيد الله بن جحش، قال أبو سفيان "قلت: لا" فإن قلتَ: لمَ لم يستغن هرقل بقوله: "بل يزيدون" عن قوله: "هل يرتد أحد منهم؟ " أجيب بأنه لا ملازمة بين الازدياد والنقص، فقد يرتد بعضهم ولا يظهر فيهم النقص باعتبار كثرة من يدخل، وقلة من يرتد مثلاً، فلا تلازم حينئذٍ، وإنما سأل عن الارتداد؛ لأن من دخل على بصيرةٍ في أمرٍ محقق لا يرجع عنه بخلاف من دخل في أباطيل، قال هرقل: "فهل كنتم تتهمونه بالكذب" يعني على الناس قبل أن يقول ما قال، قال أبو سفيان: "قلت: لا" وإنما عدل السؤال عن نفس الكذب إلى السؤال عن التهمة تقريراً لهم عن صدقه؛ لأن التهمة إذا انتفت انتفى سببها؛ لأن الشخص إذا لم يتهم بالكذب هذا نفي للكذب من باب أولى، إذا نفيت التهمة فنفي الكذب نفسه من باب أولى.