القسمُ الأولُ: القربُ من رسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، مِنْ حيثُ العددُ بإسنادٍ نظيفٍ غيرِ ضعيفٍ. وإليهِ الإشارةُ بقولي: (إنْ صَحَّ الاسنادُ) ، فأمَّا إذا كانَ قربُ الإسنادِ مع ضعفِ بعضِ الرواةِ، فلا التفاتَ إلى هذا العلوِّ، لا سِيَّمَا إنْ كانَ فيهِ بعضُ الكذَّابينَ المتأخِّرِينَ ممَّنْ ادَّعَى سماعاً من الصحابةِ، كإبراهيمَ بنِ هُدْبَةَ، ودينارِ بنِ عبدِ اللهِ، وخراشٍ، ونُعَيمِ بنِ سالمٍ، ويَعْلَى بنِ الأشْدَقِ وأبي الدنيا الأشجِّ، ونحوِهم. قالَ الحافظُ أبو عبدِ اللهِ الذهبيُّ في " الميزانِ ": ((متى رأيتَ المحدِّثَ يفرحُ بعوالي أبي هُدْبَةَ، ويَعْلَى بنِ الأشْدَقِ، وموسى الطويلِ، وأبي الدنيا، وهذا الضربِ، فاعلمْ أنَّهُ عَامِيٌّ بعدُ)) . وهذا القسمُ الأوَّلُ هوَ أفضلُ أنواعِ العُلُوِّ، وأجلُّها، وأعْلَى ما يقعُ للشيوخِ في هذا الزمانِ من الأحاديثَ الصِّحَاحِ المتصلةِ بالسَّمَاعِ؛ ما هُوَ تُساعيُّ الإسنادِ، ولا يقعُ ذلكَ في هذهِ الأزمانِ إلاَّ مِنَ " الغَيْلانياتِ "، و" جُزْءِ الأنصاريِّ "، و" جُزْءِ الغِطْريفِ " فقطْ. أو ما هوَ مأخوذٌ مِنْهَا. ولا يقعُ لأَمثالنِا من الصحيحِ المتصلِ بالسماعِ، إلاَّ عُشاريُّ الإسنادِ، وَقَدْ يقعُ لنا التساعيُّ الصحيحُ، وَلَكِنْ بإجازةٍ في الطريقِ،
واللهُ أعلمُ.
وقولُ الذهبيِّ في " تأريخ الإسلامِ " في ترجمةِ ابنِ البخاريِّ: وهو آخرُ مَنْ كانَ في الدنيا بينَهُ وبينَ رسولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثمانيةُ رجالٍ ثقاتٍ، فإنَّهُ يريدُ معَ اتصالِ السماعِ. أمَّا مَعَ الإجازةِ فقدْ تأخّرَ بعدَهُ جماعةٌ، واللهُ أعلمُ.