والقسمُ الثاني من أقسامِ العلوِّ: القربُ إلى إمامٍ من أئِمَّةِ الحديثِ، كالأعمشِ وهشيمٍ، وابنِ جريجٍ، والأوزاعيِّ، ومالكٍ، وسفيانَ، وشعبةَ، وزُهيرٍ، وحمَّادَ بنِ زيدٍ، وإسماعيلَ بنِ عُلَيَّةَ، وغيرِهمِ من أئِمَّةِ الحديثِ. وكلامُ الحاكمِ يشيرُ إلى ترجيحِ هذا القسمِ على غيرِهِ، وأنَّهُ المقصودُ من العلُوِّ، وإنما يوصفُ بالعلوِّ إذا صحَّ الإسنادُ إلى ذلكَ الإمامِ بالعددِ اليسيرِ، كما صرَّحَ بهِ الحاكمُ، وهو كذلكَ، كما مَرَّ في القسمِ الأوَّلِ. وأعلى ما يقعُ اليومَ للشيوخِ بيَنهمُ وبينَ هؤلاءِ الأئِمَّةِ مِنْ حيثُ العددُ معَ صحةِ السَّنَدِ، واتِّصَالِهِ بالسَّماعِ أَنَّ بينَهمُ وبينَ الأعمشِ وهشيمٍ، وابنِ جُرَيْجٍ، والأوزاعيِّ، ثمانيةً. وبينَهمُ وبينَ مالكٍ والثوريِّ، وشعبةَ، وزهيرٍ، وحمَّادِ بنِ سلمةَ، سبعةٌ، وبينَهم وبينَ ابنِ عُلَيَّةَ ستةٌ. وقدْ سَاوينا الشُّيُوخَ بالنسبةِ إلى هشيمٍ، فبيننا وبينَهُ سبعةٌ بالسَّمَاعِ الصَّحيحِ المتصلِ.

والقسمُ الثالثُ: العلوُّ المقيَّدُ بالنسبةِ إلى روايةِ الصحيحينِ، وبقيةِ الكتبِ السِّتَّةِ. وسَمَّاهُ ابنُ دقيقِ العيدِ: علوَّ التنزيلِ، ولم يذكرِ ابنُ طاهرٍ هذا القسمَ، وجعلَ القسمَ الثالثَ: علوَّ تَقدُّمِ السَّمَاعِ، وجمعَ بينَهُ وبينَ قسمِ تقدُّمِ الوفاةِ، فجعلهُمَا قسماً واحداً، كما سيأتي ولكنَّ هذا القسمَ يؤخذُ من كلامِ ابنِ طاهرٍ في آخرِ الجزءِ المذكورِ، وإنْ لم يذكرْهُ في الأقسامِ. وليسَ هذا علوّاً مطلقاً في جميعِ هذا القسمِ، وإنّما هو بالنسبةِ لهذهِ الكتبِ، إذ الراوي لَوْ رَوَى الحديثَ من طريقِ كتابٍ مِنَ السِّتَّةِ يقعُ أنزلَ مِمَّا لو رواهُ من غيرِ طريقِهَا، وقد يكونُ عالياً مطلقاً أيضاً، مثالُهُ: حديثٌ رواهُ الترمذيُّ لابنِ مسعودٍ مرفوعاً: يومَ كلَّمَ اللهُ موسى كانتْ عليهِ جُبَّةُ صُوْفٍ ... الحديثَ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015