وحكاهُ ابنُ خَلاَّدٍ، ثُمَّ الخطيبُ، فحكيا عن بعضِ أهلِ النَّظَرِ: أنَّ التَّنَزُّلَ في الإسنادِ أفضلُ؛ لأنَّهُ يجبُ عَلَى الرَّاوِي أَنْ يجتهدَ في مَتْنِ الحديثِ، وتأويلهِ، وفي الناقلِ وتَعديلهِ، وكلَّما زادَ الاجتهادُ زادَ صاحبُهُ ثواباً. قالَ ابنُ خَلاَّدٍ: ((وهذا مذهبُ مَنْ يزعُمُ أَنَّ الخبرَ أقوى مِنَ القياسِ)) . قالَ ابنُ الصلاحِ: ((وهذا مذهبٌ ضعيفُ

الحجَّةِ)) . قالَ ابنُ دقيقِ العيدِ: لأنَّ كثرةَ المشقةِ ليستْ مطلوبةً لنفسِها، قالَ: ((ومراعاةُ المعنى المقصودِ من الروايةِ، وَهُوَ الصحةُ أوْلَى)) . قلتُ: وهذا بمثابةِ مَنْ يَقْصِدُ المسجدَ لصلاةِ الجماعةِ، فيسلُكُ طريقةً بعيدةً لتكثير الخُطَا، وإنْ أدَّاهُ سلوكُها إلى فواتِ الجماعةِ التي هي المقصودُ. وذلكَ أنَّ المقصودَ من الحديثِ التَّوَصُّلُ إلى صحَّتِهِ وبُعْدُ الوَهَمِ. وكلَّما كثُرَ رجالُ الإسنادِ تطرَّقَ إليهِ احتمالُ الخطأ والخلَلِ، وكلَّما قَصُرَ السندُ كانَ أسلمَ. اللَّهُمَّ إلاَّ أنْ يكونَ رجالُ السندِ النازلِ، أوثقَ، أو أحفظَ، أو أفقهَ، ونحوَ ذلكَ، على ما سيأتي في آخرِ هذا الفصلِ.

العلو في الإسناد على خمسة أقسام،

ثمَّ العلوُّ في الإسنادِ على خمسةِ أقسامٍ، كما قَسَّمَهُ أبو الفضلِ محمدُ بنُ طاهرٍ في جزءٍ لَهُ، أفردَهُ لذلكَ، وتبعَهُ ابنُ الصَّلاحِ على كونِها خمسةَ أقسامٍ، وإنِ اختلفَ كلامُهُمَا في مَاهِيَّةِ بعضِ الأقسامِ، كما سيأتي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015