وقد روينا عن ابنِ المباركِ قالَ: ما انتخبتُ على عالمٍ قَطُّ، إلاَّ نَدمْتُ. وروينا عنهُ قالَ: ما جاءَ مِن مُنْتَقٍ خيرٌ قَطُّ. وروينا عن يحيى ابنِ معينٍ قالَ: صاحبُ الانتخابِ يندمُ، وصاحبُ النسخِ لا يندمُ. وقد فَرَّقَ الخطيبُ في ذلكَ بَيْنَ أَنْ يكونَ الشيخُ عَسِراً، والطالبُ وارداً غريباً؛ فقالَ: إذا كَانَ المحدِّثُ مُكْثِراً وفي الروايةِ مُعْسِراً، فينبغي للطالبِ أن يَنْتَقِي حديثَهُ، وينتخبَهُ، فَيَكْتبَ عنهُ ما لا يجدُهُ عندَ غيرِهِ، ويَتجنَّبَ الْمُعَادَ من رواياتِهِ قالَ: وهكذا حُكمُ الواردينَ من الغُرباءِ الذينَ لا يُمكنُهُم طولُ الإقامةِ والثَّوَاءِ. قالَ: وأَمَّا مَتَىلم يتمَيَّزْ للطالبِ مُعادُ حديثِهِ من غيرِهِ، وما يُشَارَكُ في روايتهِ مِمَّا ينفردُ بهِ، فالأوْلَى أنْ يكتبَ حديثَهُ عَلَى الاستيعابِ دونَ الانتقاءِ والانتخابِ. انتهى. وإليهِ أشرتُ بقولي: (وإنْ يَضِقْ حَالٌ عَنِ اسْتِيْعَابِهْ) أي: لعُسْرِ الشيخِ، أوْ لكونِ الشيخِ، أوِ الطالبِ وارداً غيرَ مُقيمٍ، ونحوِ ذلكَ.
وقولي: (لعارفٍ) أي: بجودةِ الانتخابِ فقد روينا عن يحيى بنِ مَعِينٍ قالَ: دَفَعَ إليَّ ابنُ وَهْبٍ كتابينِ عن معاويةَ بنِ صالحٍ خمسمائةِ أو ستمائةِ حديثٍ، فانتقيتُ شرارَها لم يكنْ لي بها يومئذٍ معرفةٌ.