وإنْ قَصَّرَ الطالبُ عن معرفةِ الانتخابِ وجودتهِ، فقالَ الخطيبُ: ((ينبغي أنْ يستعينَ ببعضِ حُفَّاظِ وقتِهِ على انتقاءِ ما لَهُ غرضٌ في سماعِهِ وكتْبِهِ. ثُمَّ ذكرَ من المعروفينَ بحسنِ الانتقاءِ أبا زُرْعَةَ الرازيَّ، وأبا عبدِ الرحمنِ النسائيَّ، وإبراهيمَ بنَ أُورمةَ الأصبهانيَّ، وعُبَيْداً العِجْلَ، وأبا بكرٍ الْجِعَابِيَّ، وعمرَ البصريَّ، ومحمَّدَ بن الْمُظَفَّرِ، والدَّارقطنيَّ، وأبا الفتحِ ابنَ أبي الفوارسِ، وأبا القاسمِ هبةَ اللهِ بنَ الحسنِ الطبريَّ اللالكائيَّ.
وقولي: (وَعَلَّمُوا في الأصْلِ) . هذا بيانٌ لما جرتْ به عادةُ الحفَّاظِ من تعليمهِم في أصلِ الشيخِ على ما انتخبوهُ. وفائدتُهُ لأجلِ المعارضَةِ أو ليُمْسِكَ الشيخُ أصلَهُ، أو لاحتمالِ ذهابِ الفرعِ، فينقلَ من الأصلِ، أو يحدّثَ من الأصلِ بذلكَ المعلَّمِ عليهِ.
واختياراتُهُم لصورةِ العلامةِ مختلفةٌ، ولا حرجَ في ذلكَ، فكانَ الدَّارقطنيُّ يعلِّمُ بخطٍّ عريضٍ، بالْحُمْرَةِ في الحاشيةِ اليُسرى، وكانَ اللالكائيُّ يُعلِّمُ على أوَّلِ إسنادِ الحديثِ بخطٍّ صغيرٍ، بالْحُمْرَةِ. وهذا الذي استقرَّ عليهِ عَمَلُ أكثرِ المتأخِّرِينَ وكانَ أبو الفضلِ عليُّ بنُ الحسنِ الفَلَكِيُّ يُعلِّمُ بصورةِ همزتينِ بحبرٍ في الحاشيةِ اليُمنى. وكان أبو الحسنِ عليُّ بنُ أحمدَ النُّعَيْميُّ يُعَلِّمُ صاداً ممدودةً بِحِبْرٍ في الحاشيةِ اليُمنى، أيضاً. وكان أبو محمّدٍ الخلاّلُ يُعَلِّمُ طاءً ممدودةً كذلكَ. وكانَ محمَّدُ بنُ طلحةَ النِّعَاليُّ يُعَلِّمُ بحاءينِ إحداهُما إلى جَنْبِ الأخْرَى كذلكَ.