حاتِمٍ الرازيِّ: إذا كتبتَ فَقَمِّشْ، وإذا حَدَّثْتَ فَفَتِّشْ)) . والتَّقْمِيْشُ والقَمْشُ أيضاً: جمعُ الشيءِ من هاهُنا وهاهُنا. وَلَمْ يُبَيِّنِ ابنُ الصلاحِ ما المرادُ بذلكَ، وكأنَّهُ أرادَ: اكْتُبِ الفائدةَ ممَّنْ سمعتَها ولا تُؤخِّرْ ذلكَ حَتَّى تنظرَ فيمَنْ حدَّثكَ، أهُوَ أهلٌ أنْ يُؤخَذَ عَنْهُ أم لا؟ فربَّما فاتَ ذلكَ (?) بموتِ الشيخِ أو سفرِهِ، أو سفرِكَ. فإذا كانَ وقتُ الروايةِ عنهُ، أو وقتُ العملِ بذِلكَ، فَفَتِّشْ حينئذٍ. وقد ترجمَ عليهِ الخطيبُ: باب مَنْ قالَ: يكتبُ عَنْ كُلِّ أحدٍ.
ويَحْتَمِلُ: أنَّ مرادَ أبي حاتمٍ استيعابُ الكتابِ المسموعِ، وتركُ انتخابهِ، أوْ استيعابُ ما عندَ الشيخِ وقتَ التحمُّلِ، ويكونُ النظرُ فيهِ حالةَ الروايةِ. وقدْ يكونُ قَصْدُ المحدِّثِ تكثيرَ طُرُقِ الحديثِ، وجَمْعَ أطرافِهِ، فيكثرُ لذلكَ شيوخُه ولا بأْسَ بذلكَ. فقد روينا عن أبي حاتمٍ قالَ: لو لَمْ نكْتُبِ الحديثَ من ستينَ وجهاً ما عَقَلْنَاهُ. وقد وُصِفَ بالإكثارِ من الشيوخِ سفيانُ الثوريُّ، وأبو داودَ الطيالسيُّ، ويونسُ بنُ محمّدٍ المؤدِّبُّ، ومحمّدُ بنُ يونسَ الكُدَيميُّ، وأبو عبدِ الله ابنُ مَنْدَه، والقاسمُ بنُ داودَ البغداديُّ، روينا عنهُ قالَ: كتبْتُ عن ستةِ آلافِ شيخٍ.
وينبغي للطالبِ أنْ يسمعَ، ويكتبَ ما وقعَ له من كتابٍ، أو جُزءٍ على التَّمَامِ، ولا يَنتخبْهُ، فربمَّا احتاجَ بعدَ ذلكَ إلى روايةِ شيءٍ منهُ لَمْ يَكنْ فيما انتخبَهُ مِنْهُ، فيندمُ،