(لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه) ، ما هي تلك المحبة؟ هل هي لوحة أكتب فيها: أنا أحب رسول الله؟
صلى الله عليه وسلم لا، بل يجب أن تُترجَم تلك المحبة عملياً، واعتقاداً في القلب وإيناساً وإشعاراً وطمأنينة وارتياحاً وميولاً، وأن تترجم في القول، إذا جئت لتعمل أي شيء فتنظر هل هذا العمل يحبه رسول الله أو يكرهه؟ فإذا كان يحبه وفعلته محبة لرسول الله فقد ترجمت حبك لرسول الله اتباعاً وفعلاً لما يحبه، وإذا كان عملاً يكرهه رسول الله وتأتيه جهاراً وإسراراً فهل هذا يتناسب مع دعوى محبة رسول الله؟ لا والله! لو كان حبك صادقاً لأطعته إن المحب لمن يحب مطيع يضرب لنا صحابي جليل مثلاً رائعاً لم يأت التاريخ بمثله، عندما أخذه المشركون إلى مكة وباعوه ممن كان قد قتل واحداً منهم في بدر، وأعلموه يوم قتله، وقبل أن يقتل أراد أن يلقى ربه نظيفاً حساً ومعنىً، أراد أن يستحد من شعره، فطلب من امرأة في البيت أن تعطيه الموسى، فأخذ الموسى في يده، وأتى إليه طفل صغير يحبو فرأت أم الطفل هذا الأسير في يده الموسى والطفل عنده فصاحت تخشى أن يقتله؛ لأنهم سيقتلونه، فضحك وقال: أتظنين أني أقتل الطفل البريء لا والله! وسلّمه إليها.
وحينما أخذوه وأخرجوه من الحرم إلى الحل وأرادوا قتله، وكان أسيراً عند من اشتروه، وحينما قُدِّم قال: أنظروني أصلي ركعتين؛ فصلى بخشوع وبدون جزع، وقال: والله! لولا أني أخشى أن تقولوا فزع من الموت لأطلت.
ثم قالوا له كلمة -وهي محل الشاهد- حينما صلبوه: أتود أن محمداً مكانك الآن وتُضرب عنقه وتسلم أنت؟ انظروا هذا العرض! السيف على عنقه، ومحمد صلى الله عليه وسلم بعيد عنهم في المدينة، فيعظم عليه أن يخطر بباله هذا الخاطر، ويقول: لا والله، ولا أن يشاك بشوكة وهو في مكانه بالمدينة! لماذا لا يقول ذلك ليفكوا أسره ويدَعوه يذهب لحاله؟ لم يحتمل ولم يقو، إحساسه وإيمانه ورقة عاطفته مع رسول الله تأبى أن تقبل ورود خاطرة أن يشاك صلى الله عليه وسلم بشوكة وهو في المدينة! يريد أن تُضرب عنقه مراراً ولا أن يتصور شوكة يشاك بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة، أترون هذا يعصي رسول الله؟ أترون هذا يخالف ما يحبه رسول الله؟ لا والله! والأمثلة في هذا الباب عديدة.
بل أتت بعض الأحاديث في بيان من يأتي بعد رسول الله، ومدى تعلق قلوبهم به ومنها: (إخواني يأتون من بعدي، يود أحدهم لو رآني بأهله وماله) .