يقولون: الإقرار ليس كل شيء، فقد يقر إنسان بما ليس واقعاً لمصلحة يرجوها من الإقرار، ويدرك ذلك من زاول القضاء، وما كل إنسان يدركه.
يذكرون عن بعض القضاة أنه دخل عليه شيخ وشاب وادعى الشيخ على الشاب ألف دينار، فقال له القاضي: ما تقول في دعوى المدعي؟ قال: نعم، هي في ذمتي، فقال: اذهبوا وائتوني غداً.
وكان القضاة يحضرهم العلماء والفقهاء للمشاورة، فلما قال القاضي: ائتوني غداً، قال جلساؤه: ما هذا التسويف؟! هما مدعٍ ومدعى عليه، والمدعى عليه معترف، فلماذا تؤخرهم إلى الغد؟ لماذا لا تحكم بمقتضى إقراره؟ فقال القاضي: ألم تروا سهولة إقراره؟! يعني: ما هي على العادة المعروفة، وكأنهما جاءا متفقين على هذا.
ومن الغد في الصباح الباكر جاء والد ذاك الشاب يشكو إلى القاضي ولده، قال: ماذا به؟ قال: أتلف مالي، وأفسد حالي، إذا أعطيته المال يضيعه، وإذا لم أعطه قامت أمه وفعلت وفعلت، والآن عجز أن يأخذ مني شيئاً، فذهب وتواطأ مع فلان ليدعي عليه بالألف، ويعترف وليس عنده شيء، فتحكم عليه بالسجن، وتصر علي أمه لأخلصه، وأدفع الألف، ويتقاسمانه بينهما! ويهمنا -يا إخوان- معرفة عدالة الإسلام في إقامة البينة على من يدعى عليه، وباب البينة باب واسع.