نأتي إلى الصوم، كيف يضيع الصوم؟ · إما بالتساهل في أمره، وعدم الصبر على الجوع والعطش -عياذاً بالله- ويفطر.
· وإما أن يمسك شكلياً عما أحل الله، ويفطر على المحرمات، وتقدم لنا: (والصوم جنة -أي: يحفظه ويقيه- ما لم يخرقها، قالوا: بم يخرقها يا رسول الله؟! قال: بكذب أو بسباب أو بغيبة أو نميمة) وما هي قيمة هذه الجنة المخرَّقة؟ ما تحمي بشيء، السيارة المصفحة إذا كان فيها خرق بقدر خمسة سنتيمترات فستنفُذ منها الرصاصة؛ لكن كما قال جابر رضي الله تعالى عنه: (لا يصوم العبد حقاً حتى تصوم جوارحه) ، والحديث أعم: (من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) .
إذاً: تضييع الصيام: إما بتركه بالكلية، وإما بإهمال مراعاة حقوقه.
وكذلك للصوم نوافل، فقد جعل الله سبحانه وتعالى لرمضان ستاً من شوال، وجعل في أول السنة وفي آخرها عشراً من ذي الحجة ويوم عاشوراء، ويوم عرفة، والاثنين، والخميس، ومن كل شهر ثلاثة أيام، كما في وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لـ أبي هريرة وأبي ذر كلاهما قال: (أوصاني خليلي بثلاث: صوم ثلاثة أيام من كل شهر، وألَّا أنام حتى أوتر، وركعتي الضحى) .
وصوم ثلاثة أيام -كما يقول مالك - ليس فيه تحديد، إن شاء جعلها في هذا الشهر من أوله، والشهر الثاني من آخره حتى لا يهجر الأيام كلها عن الصوم، وجاء عنه صلى الله عليه وسلم ترتيب ذلك فقال: (لا تختصوا يوم الجمعة بصيام ولا ليلتها بقيام) إن كان يقوم فيقوم ليالي الأسبوع كلها، ولا يفرد ليلة الجمعة بالقيام خاصة، وإن كان يصوم فيصوم من الأيام ما شاء، ولا يفرد يوم الجمعة بصوم، وجاء في الحديث: (من صام يوم الجمعة فليصم يوماً قبله أو يوماً بعده) ، حتى لا يُفرد هذا اليوم بصيام، وجميع الأيام صالحة لصوم التطوع ما عدا يومي العيدين ويوم الشك، وفي صوم ثلاثة أيام منى لغير من لم يجد الهدي خلاف.
إذاً: الصوم مما فرض الله سبحانه وتعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183] ؛ فلا تضيعوه.
ومن عجيب ما يذكر! أن عثمان رضي الله تعالى عنه مر على شاب في رمضان وهو سكران، فقال: ويحك! أطفالنا صيام وأنت مفطر!.
وبعض قضاة المدينة مر على شاب وهو مفطر في رمضان فأخذه وجلده، فقال: ألا تستحِي! الأطفال في البيوت صائمون، وأنت في رمضان مفطر! فتكلم عليه، فقال: تكون هذه الأولى والأخيرة، ولم يُرَ بعد ذلك مفطراً! والصحابة رضي الله تعالى عنهم ائتمروا بما في حديث: (مروا أبناءكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر) ، وكذلك كانوا يفعلون في الصوم، فقد كانوا يروضون الأطفال على الصوم والجوع، فإذا بكى الطفل أعطوه اللعب يتلهى بها، فطفلٌ يُجَوَّع ساعةً أو ساعتين، وطفل يُجَوَّع أربع أو خمس ساعات، وطفل يُجَوَّع نصف النهار، وهكذا كان أمهاتنا يصنعن بالأطفال الصغار، فحينما يبكي يقلن له: فيما بعد، فيما بعد، أجيء لك بالطعام، وأصلحه لك، إلى أن تمر بعض الساعات وهو يشعر بشيء من الجوع، فكانوا يعودون الأطفال على الصيام كما يعودونهم على الصلاة.