والسنة الحسنة والسنة السيئة هي مجرد تسمية، فهذا عمر رضي الله تعالى عنه جمع الناس في صلاة التراويح على إمام واحد، ولم يكن صلى الله عليه وسلم يصلي التراويح جماعة في رمضان، وعمر جعلها جماعة على إمام واحد، ثم جاء يوماً والناس يصلون خلف إمام واحد فقال: (نعمت البدعة هذه) ، و (نعمت) و (بدعة) كيف يجتمعان، والبدعة ضلالة؟ ويجيب عن ذلك الإمام ابن تيمية رحمه الله: بأن البدعة من حيث اللغة هي: الإيجاد على غير مثال سابق، وعمر هنا وافق أصلاً شرعيا، ً ومن هنا وضع المقياس والميزان، فكل ما وجد بعد زمن رسول الله والخلفاء الراشدين نقيسه على ميزان الشريعة، فإن وافق أصلاً فيها فهو حسن، وهو إحياء لسنة مماتة، وإن خالف فيها الشرع المعلوم بالكتاب والسنة رددناها على صاحبها.
أما فعل عمر رضي الله تعالى عنه فقالوا فيه: مجرد الصلاة في ليل رمضان هو قيام الليل، وقيام الليل يشرح طول السنة: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمل:1-4] وقيام الليل من حيث هو مشروع، وخصوصاً رمضان، وجاء عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله فرض عليكم صيام رمضان، وسننت لكم قيامه، ولم يعزم علينا) ، ثم بعد ذلك بين فقال: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) ، (ومن قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) ، ولكن كان الناس في المسجد النبوي يصلون فرادى، ويتتبعون حسن الصوت فيقتدون به، فتجد الرجل الذي يحفظ القرآن يصلي وراءه الخمسة والستة، والآخر يصلي وراءه العشرة والعشرون، كل بحسب صوته وقراءته، فرأى عمر هذه التفرقة فقال: لو جمعتهم على إمام واحد لكان أولى، فجمعهم على أبي بن كعب.
فأصل قيام الليل كان مشروعاً، ثم قيام رمضان كان مسنوناً، وأما جمعهم على إمام واحد فقد جاء عن أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى العشاء في العشر الأواخر، ثم قام فصلى في المسجد، وكان يوجد بعض الناس فصلوا بصلاة رسول الله، وفي الليلة التي تليها قام ويوجد بعض الناس في المسجد فصلوا بصلاة رسول الله، فلما كان بعد الليلة الآخرة أشيع في المدينة أن أناساً صلوا بصلاة رسول الله في المسجد، فاجتمع الناس، وبعد أن صلوا العشاء مكثوا في أماكنهم ولم يغادروا، فرأى صلى الله عليه وسلم اجتماع الناس فقال: (يا عائشة! ما شأن الناس مجتمعين؟ أليس قد صلوا العشاء؟! قالت: بلى، ولكن ينتظرون خروجك لتصلي فيصلون معك كما صلى أقوام معك بالأمس وقبله، قال: أو فعلوها؟! فما خرج عليهم بعد، ومكث في بيته، فانتظروه واستبطئوه حتى أخذوا الحصباء فحصبوا الباب، فلم يخرج إليهم إلا في الفجر، فقال: أيها الناس! ما خفي عليَّ صنيعكم البارحة، وما بت بحمد الله غافلاً، ولكني خشيت أن أخرج إليكم وأصلي بكم، فتفرض عليكم فتعجزون عنها) .
نعم بالمؤمنين رءوف رحيم! كما راجع ربه في الصلاة ليلة الإسراء من خمسين صلاة إلى خمس صلوات.
فلما انتقل صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى جمعهم عمر رضي الله تعالى عنه، وكما يقول الفقهاء: (الحكم يدور مع العلة وجوداً وعدماً) فلما أمنت الفرضية سن عمر أن يقوم الناس على إمام واحد.
إذاً: عمر لم يبتدع شيئاً في الدين، ولكن أوجد شيئاً يطابق السنة الصحيحة من فعله صلى الله عليه وسلم، والفرق بين ما فعله صلى الله عليه وسلم وما فعله عمر أن في الفعل الأول خشيت الفرضية والعجز، وفي الفعل الثاني لم تخش هناك فرضية، وصارت التراويح على السنة، وصلاة الناس بإمام واحد، وفي جماعة واحدة، مقصد من مقاصد الشرع، وهو توحيد الناس وعدم تفريقهم، وهكذا صارت سنة متبعة إلى اليوم ولله الحمد.