وقوله: (إياكم ومحدثات الأمور، فكل محدثة بدعة) ، يختلف العلماء في حد البدعة والقرافي يقسم البدعة إلى الأقسام الخمسة: واجبة ومحرمة ومكروهة ومندوبة ومباحة، ورد الشاطبي هذا التقسيم كله، وقال: لا توجد بدعة إلا ضلالة، أما قول عمر: نعمت البدعة، فإنه أراد بذلك الصورة والهيئة التي لم تكن موجودة من قبل، ولكنه بذلك التشريع موافق لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد جاء أن عمر أمر في رمضان أن تسرج المساجد، فجاء علي ووقف وقال: (نور الله عليك قبرك -يا ابن الخطاب - كما نورت مساجدنا) ، وهذا من المصالح العامة، ويقول الشاطبي: لا بدعة حسنة أبداً؛ لأن البدعة في الدين شيء غير موجود من سابق، ولكن يندرج كل جديد فيه مصلحة للأمة تحت باب: المصالح المرسلة، فما لم يكن يخدم باباً من أبواب ضروريات الأمة فليس مشروعاً، وقد يقسم العلماء البدعة من حيث الوجود والظهور إلى قسمين: قسم في عادات الناس أي: في أمور الدنيا، ولا دخل له في العبادة.
وقسم في العبادات، والعادات أمور دنيوية، لكن صورتها يجب أن تكون موافقة للشرع مثل كيفية الأكل، لكن أن تأكل خبزاً أو تأكل بسكويتاً، كل ذلك مباح في الدين، ولكن بعض الناس يدخل في البدعة استعمال منخل الدقيق؛ لأنه ترف في الحياة، لكن يقول أحمد رحمه الله: عجبت لمن يترك لين العيش ويذهب إلى خشنه والله يقول: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف:32] ، ولا يوجد أحد حرمها على الناس، فلا شيء في ذلك أبداً، وقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه عندما قدم المدينة، وجدهم يؤبرون النخل فقال: (لم تؤبرونه؟! قالوا: لأجل أن يثمر، قال: لا عليكم إن كتب الله لأحدكم رزقاً جاءه، وإلا فلا، فتركوا التأبير، فجاء النخل كله شيصاً في تلك السنة، فقال صلى الله عليه وسلم: أنتم أعلم بأمور دنياكم) .
ولهذا لا يقول إنسان: إن ركوب السيارة بدعة؛ لأنها لم تكن موجودة، ولا السفر في الطائرات بدعة؛ لأنه لم يكن موجوداً، هذه أمور دنيوية لا يتوقف عليها ثواب ولا عقاب.
وكذلك اللباس فقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يلبس الجبة أو البردة، ورأى عمر حلة تباع في السوق فجاء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: (اشتر هذه تلبسها للوفود والأعياد والجمع، فنظر إليها رسول الله وقال: إنما هذا لباس من لا خلاق له) ؛ لأن قماشها حرير، ولكن الجبة من حيث هي جائز لبسها في المناسبات وغيرها؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كانت له بردة يصلي بها العيد، وكان يقابل بها الوفود، وهو القائل صلى الله عليه وسلم: (ماذا على أحدكم لو اتخذ ثوباً لجمعته، سوى ثوب مهنته؟) أي: ماذا على أحدكم إذا كان الله قد وسع عليه أن يتخذ ثوباً خاصاً ليوم الجمعة، إظهاراً لنعمة الله عليه في ذلك.
إذاً: لا مانع أن يلبس الإنسان ما شاء من أنواع اللباس، ولكن لا يلبس لباساً على هيئة لباس النصارى واليهود، مثل أن يشد زناراً في الوسط، ويشبه بغير المسلمين، وقد نهانا صلى الله عليه وسلم عن مشابهة اليهود، ونهى الرجال عن التشبه بالنساء، والنساء عن التشبه بالرجال، بل نهى عن مخالطة اليهود والنصارى كما في حديث أبي ثعلبة الخشني: (إنا نكون بأرض قوم أهل كتاب، أفنأكل في آنيتهم؟ قال: لا) ، فبعض العلماء شرح هذا وقال: لأننا إذا جاروناهم وتعاونا معهم، وأخذنا وأعطينا، كانت الألفة والمودة بيننا، ووقع الركون إلى عادتهم، فتسري عاداتهم إلى بيوتنا، وبعضهم يقول: في الحديث تتمة وهي: (أنأكل في آنيتهم وهم يطبخون الخنزير ويشربون الخمر) ، يعني: في تلك الأواني فقال: (لا، إلا ألا تجدوا غيرها، واغسلوها) يعني: اغسلوها غسلاً جيداً ثم كلوا فيها، وفي بعض الروايات: (ولا نجد غيرها) أي: عند الحاجة مع غسلها لا مانع من ذلك.
إذاً: التشبه بغير المسلمين لا يجوز، لماذا؟ سداً للذريعة، وهكذا الزيادة في الدين بدعة، هناك نوع من اللباس يضيق فيه الكم يسمى (الكبك) ، لا ينبغي لأحد أن يقول: إنها بدعة؛ لأنها لم تكن في زمن رسول الله، فقد جاء عن المغيرة بن شعبة في غزوة تبوك أنه لما ذهب صلى الله عليه وسلم لقضاء حاجته، وأراد أن يتوضأ قال: (أراد أن يخرج يده من كمه فضاق الكم على يده، فأخرجه من تحت إبطه) إذاً: الجبة التي كان يلبسها صلى الله عليه وسلم ضيقة الكم؛ ولهذا يرى بعض العلماء أن توسيع الكم إلى ذراع أو نصف ذراع بدعة؛ لأنه لم يكن على عهد رسول الله، ولكن يقال: اللباس يخضع لعادة الناس وعرفهم، فيترك ذلك للناس على حسب مصالحهم، وبالله التوفيق.