يقول بعض العلماء: الشريعة الإسلامية كلها حسن الخلق؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) ، وهو الوصف الكاشف الذي تميز به سيد الخلق صلى الله عليه وسلم عن جميع الأنبياء في كتاب الله كما قال تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] ، (فهذا الوصف) عنوان كلي على كمال النبي صلى الله عليه وسلم.
سئلت أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها: (كيف كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت للسائل: أتقرأ القرآن؟! قال: نعم، قالت: كان خلقه القرآن) يعني: كان متأدباً بآداب الكتاب الكريم، فيأخذ أوامره، ويترك نواهيه، ويعمل بآدابه وإرشاداته ونصائحه، والقرآن الكريم يحث على هذا الباب كقوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف:199] ، وقوله: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:134] ، فكان خلقه القرآن، فكل ما في القرآن: من تعاليم، وآداب، وتوجيهات؛ كانت خلقه صلى الله عليه وسلم.
قال صلى الله عليه وسلم: (البر حسن الخلق) ، وقال: (بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) ، فحسن الخلق هو الرسالة المحمدية، قال الله: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ} [البقرة:177]-الذي هو: حسن الخلق- {مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ} [البقرة:177] ، شهادة من الله بأنهم صدقوا في إيمانهم، وصدقوا في أعمالهم، وصدقوا في أقوالهم، فقال: {آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ} [البقرة:177] ، فأركان الإيمان كلها في هذا البر، ثم ذكر فروع وأركان الإسلام، ثم ذكر مكارم الأخلاق من الصبر في البأساء والضراء وحين البأس، ثم تأتي شهادة الله لهم بالصدق، فهذه الآية: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ} [البقرة:177] إلى آخر تلك الصفات هي البر، فإذاً: البر حسن الخلق، ولو أخذت كلمة: (حسن الخلق) ، وجئت بهذه الآية: (ولكن البر) في الحديث، لحلت محل حسن الخلق، فالبر حسن الخلق، والآية ذكرت الإيمان والعقائد والأعمال الصالحة والأقوال الطيبة ومكارم الأخلاق، فكل هذه الصفات تدخل في الآية، فيكون حسن الخلق عنواناً لكل ما جاءت به الشريعة الإسلامية، ومصداق هذا قوله صلى الله عليه وسلم: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) .
وإذا نظر الإنسان فإنه صلته بربه في طاعته وامتثال أوامره، وصلته بالناس في معاملاتهم، وكيف يعامل الناس؟ قال الإمام علي رضي الله تعالى عنه: (إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم) ، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حسن الخلق يذيب الذنوب كما تذيب الشمس الجليد، وسوء الخلق يفسد العمل كما يفسد الخل العسل) .
ومن حسن الخلق قوله تعالى: {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى} [البقرة:263] ، فلا ينفعك أن تنفق مثل جبل أحد ذهباً مع المن والإيذاء، قال الله: {لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى} [البقرة:264] ، ولكن قل كلمة طيبة: الله يوسع علينا وعليك، الله يفتح علينا وما ننساك، الله يكرمنا وإياك، فضل الله واسع، دون مؤاخذة لم يبق في يدي شيء الآن، كلمة طيبة يسمعها منك السائل أو المسكين، وإذا لم يكن في المال سعة فأقل شيء الكلمة الطيبة، والابتسامة، وطلاقة الوجه.