في هذين الحديثين يبين لنا صلى الله عليه وسلم بكلمتين: (البر حسن الخلق) ، (الإثم ما حاك في النفس) ، ويقابل صلى الله عليه وسلم بين معنيين متضادين، وكلاهما جمع باباً بجميع فروعه.
يقولون: البر من أسماء الجنة كما قال الله: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران:92] ، وقد يكون اسماً جامعاً لجميع أعمال الخير كما قال الله: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَان} [المائدة:2] ، وانظر المقابلة! قالوا: البر ما كان للخلق في التعامل: من اللطف، والمسايرة، والمجاملة، وطلاقة الوجه، واصطناع المعروف، وغير ذلك، والتقوى: ما كان بينك وبين الله، فتجمع بين الأمرين: حسن المعاملة بينك وبين الخلق، وبينك وبين الخالق، أو أن البر أمر إيجابي في فعل المعروف، والتقوى أمر سلبي في اجتناب المحرمات، أي: تعاونوا على فعل المأمورات، وتعاونوا على ترك المنهيات، فبفعل المأمورات تأتون على البر، وبترك المنكرات تأتون على التقوى؛ لأن التقوى اتخاذ الوقاية بترك المعاصي، ويقابلها قوله: {ولا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ} [المائدة:2] أي: من الذنوب التي بين الإنسان وبين ربه، {والْعُدْوَان} [المائدة:2] أي: من الذنوب التي تتعلق بحقوق الآخرين.
وقال بعض العلماء: البر فضائل الأعمال، وقيل: البر كل ما كان فيه قربة لله من الفرائض والمندوبات والنوافل.
قال الشاعر ويروى عن عمر: أبني إن البر شيء هين وجه طليق وقول لين وفي رواية للبيت أخرى: أبني إن البر شيء هين فعل جميل وقول لين فكلاهما علامة على حسن الخلق.
قوله: (البر حسن الخلق) يقول علماء النحو: مبتدأ وخبر، ويقول علماء البيان: جملة اسمية إسنادية من باب القصر؛ لأن كلاً منهما معرّف، فالبر معرّف بأل، وحسن الخلق معرّف بالإضافة، وعلماء الكلام يقولون: محمول وموضوع، ويقول علماء البيان: قصر البر في حسن الخلق، وعندهم القصر: حقيقي ومجازي، فمن أي النوعين هذا الحديث؟ هل هو قصر حقيقي أو هو من باب المجاز أو أن المعنى أكثر البر حسن الخلق؟