بين النبي صلى الله عليه وسلم الصدقات المعنوية التي تنوب عن الماديات فقال: (تعدل بين اثنين صدقة) ، وقوله: (بين اثنين) يشمل كل الناس سواء القاضي في المحكمة بين المدعي والمدعى عليه، والحكمان بين الزوجين، وكل من تحاكم إليك، وفيه بيان مسئولية العدالة، وفي الحديث العام الذي يحمل كل إنسان تلك المسئولية: (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته) ، كالحاكم راع مسئول عن رعيته، وقد كان أمير المؤمنين عمر رضي الله تعالى عنه يعس في الليل يتفقد أحوال رعيته.
والمسئولية واقعة على صاحب الإدارة والمدرس في الفصل، والوالد مع أولاده.
إذاً: كل إنسان مسئول في جانب ما، فيعدل بين من هو مسئول عنهم، فهذا العدل صدقة.
وفي الحديث الآخر: (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، قالوا: علمنا كيف ننصره مظلوماً فكيف ننصره ظالماً؟ قال: كفه عن ظلمه نصرة له) ؛ لأنك تنصره على نفسه، وإذا لم تفعل بات ظالماً، والظالم لا يكون على خير، (الظلم ظلمات يوم القيامة) ، فأنت بنصرتك إياه، وكفك إياه عن الظلم أخرجته من ظلمات الظلم إلى نور العدالة.
وفي الأثر: (إن الملائكة نظرت إلى أعمال العباد التي تصعد من الأرض إلى السماء فاستعظمت عملين، وتمنت لو تنزل إلى الأرض وتعمل بهما: العدل بين الناس وسقي الماء) ، فهذان العملان لا يعادلهما عمل؛ ولذا جاء في الأثر: (عدل ساعة خير من عبادة ستين عاماً) ؛ لأن عدل الساعة الواحدة تحقيق للحق في الأرض.
قال: (تعدل بين اثنين) ، والعدل بين الاثنين ليس مجرد إعطاء كل ذي حق حقه، بل تشمل العدل في الخطاب، والعدل في السماع، والعدل في التعامل، حتى في بشاشة الوجه، ذكر العلماء هذا في آداب القضاء، وذكروا: أنه يجب عليه حتى العدل في قسمات الوجه بين الخصمين، فيجب أن يساوي القاضي بينهما، فلا يبتسم لهذا، ويكشر لذاك: (تعدل بين اثنين صدقة) .