وقوله: (وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو تحمل له متاعه صدقة) ، إنسان عنده حمل ويريد أن يضعه على الدابة، وحمل الدابة من شقين، فيحتاج إلى من يسانده، أو أن الحمل ثقيل فترفع معه، ومثل الدابة الآن السيارة، فتساعده على حمل متاعه على سيارته، ويأتي في هذا الباب حديث: (وأن تفرغ من دلوك في دلو أخيك) ، أن تمده بفضل الحبل للدابة أو الحمل، إذا كان الحبل الذي معه قصيراً وعندك فضلة حبل فتعطيها إياه، وكل ما يمكن أن يوصل معونة للآخر، فلو أنك في السيارة تمشي في طريقك، فإذا سيارة معطلة تحتاج إلى اشتراك، فوقفت وأعطيته الاشتراك، فهذا صدقة، أو تجد سيارة مبنشرة تحتاج إلى الرافعة أو صامولة أو مسمار، أو أي شيء آخر، فكل ما يمكن أن تمده به ضمن قوله: (أن تفرغ من دلوك في دلو أخيك) ولو أن سيارة انتهى منها البنزين، وأعطيت صاحبها جالوناً بنزين، ولو بالثمن فهو صدقة؛ لأنه منقطع في الطريق، ويتمنى أن يشتريه ولو بأضعاف قيمته.
وباب الصدقة المعنوية باب واسع جداً: تحمل الرجل على دابته، تعينه عليها، تساعده على رفع الحمل عليها؛ كل ذلك من باب الصدقة، وجاء في الأثر: (تهدي الرجل الطريق، تساعد العيي في القول، تسمع الأصم، ترشد الضال، تهدي الزقاق -أي: الطريق-، وتهدي الورق؛ (كل ذلك صدقة) ، وقالوا: القرض إلى زمن الأجل كل يوم للدائن فيه حسنة، وإذا جاء الأجل وأنظرته كأنك تتصدق عليه كل يوم بقدر دينك الذي عليه، فتكون الصدقة حسنة واحدة، والقرض حسنتان.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أمر بمعروف صدقة، نهي عن منكر صدقة، تميط الأذى عن الطريق صدقة.
إلخ) ، وإن لم يستطع فأبواب الخير كثيرة، وفي الحديث: (ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق) ، وفي حديث آخر: (وتبسمك في وجه أخيك صدقة) ، وكل ذلك من باب الصدقة على نفسك وعلى أخيك، والرسول صلى الله عليه وسلم ذكر هنا أمهات أبواب الخير، فالعدل يشمل عدل الراعي إلى عامة الرعية، وتعاون الناس حتى على الدابة، جاء في الماعون: (لا تمنع ماعونك عن غيرك) وكما جاء في الحديث: (إذا لم أجد؟ قال: تعمل بقوتك فتتصدق) أي: تحمل بقوة زنديك متاع غيرك، وتسعى بعظمي ساقيك في إغاثة ملهوف استغاث بك، وكل ذلك ذكره صلى الله عليه وسلم.