ليكن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر متحلياً بالرفق متخذاً أسلوب الحكمة، ولهذا يقول العلماء: حينما يقوم الإنسان بهذه المهمة يجب أن يكون حكيماً بما يفعل، عالماً بما سينكر فيه، فيعلم أن ذلك محرم، ويكون التحريم بالإجماع، ولا يكون موضع خلاف عند الناس، مثلاً: أنت طالب علم في المسجد النبوي، وبعد صلاة العصر دخل رجل المسجد وصلى، وأنت ترى أنه لا صلاة بعد العصر، فإذا كنت فعلاً تريد أن تغيّر فيجب أن تعلم حكم هذه المسألة عند الجميع، فإذا كنت تعلم أن الشافعي رحمه الله يرى جواز هذه الصلاة، فلا يحق لك أن تنكر على من صلاها؛ لأنه من حقه أن يقول لك: لم لا أصلي؟ فتقول: الأئمة الثلاثة يقولون: لا صلاة، فيقول لك: مذهبي مذهب الشافعي وهو يقول: تصلي، وليست مذاهبك بأولى من مذهبي، فتقول: الحديث فيه، فيقول لك: والحديث الآخر فيه: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي) ، وتتدخل في نزاع وخلاف لا ينبغي أن تتعرض له، فإن جاء وسألك بيّنت له الواقع، ولا تكتم الحق، وبيّن له بكل وضوح؛ لأنه جاء يستفسر عن الصحيح والراجح.
وهكذا لما سئل أحمد رحمه الله: أتصلي خلف الشافعي وقد أكل لحم الجزور؟! وأحمد يرى أن لحم الجزور ينقض الوضوء، قال: وكيف لا أصلي خلف الشافعي وخلف مالك بن أنس وخلف فلان وفلان؟! فهذه مسألة خلافية، وهم يرون رأياً وهو يرى رأياً.
قال عمر رضي الله تعالى عنه لرجل مر عليه: من أين جئت؟ قال: جئت من عند فلان، قال: في أي شيء؟ قال: احتكمنا إليه أنا وفلان في كذا وكذا، قال: بم حكم؟ قال: حكم بكذا، قال: لو كنتم احتكمتم إلي لحكمت بغير ذلك، قال: وما يمنعك وأنت أمير المؤمنين أن تمضي حكمك؟ قال: لا، لو كنت أردكم إلى نص قاطع فاصل لفعلت، ولكن أردكم إلى رأيي، وليس رأيي بأولى من رأيه، فـ عمر وهو خليفة راشد له حق التشريع: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء) ، ومع ذلك يقول في مسالة اجتهادية خلافية: لو كنت أردكم إلى نص لفعلت، ولكن إلى رأيي، وليس رأيي أولى من رأيه، فكيف بك مع الغير؟!!