(من رأى منكم منكراً فليغيره) تغيير المنكر يكون بأحد أمرين: إما بإزالته، وإما باستبداله بمعروف، وكما يقولون: ما أحييت بدعة إلا على أعقاب سنة، فلا تظهر بدعة إلا بإماتة سنة؛ لأن السنة تشغل فراغك وتملأ حياتك، فإذا عطلت السنة جاءت البدعة محلها، وكما كانوا يقولون: في الشرق الأوسط فراغ يجب أن نملؤه، وكذلك حياة المسلم ليس فيها فراغ أبداً، وإذا تأملت السنة تجدها تصاحبك في كل حياتك: عند اضطجاعك في فراشك تقول كذا، وعند إتيانك أهلك، وعند قيامك في الصباح، وفي أكلك وشربك ولباسك وخلع ثيابك، وكل شيء، قال الله: {إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ} [الأنعام:162] ، فإذا عطلت السنة في مرفق من تلك المرافق، فإما أن تبقى عاطلة وإما أن تأتي البدعة، وهكذا المنكر.
ثم بيّن صلى الله عليه وسلم درجات تغيير المنكر بحسب إمكانات المغيِّر، فبدأ من القمة فقال: (بيده) ، والتغيير باليد لمن له سلطة.
مثل سلطة الحاكم على المحكومين، وسلطة الوالد على الأولاد ما لم يكبروا، وسلطة كل راع في رعيته: (كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته) ، فالمدير في إدارته، والناظر في مدرسته، والأستاذ في فصله، كل إنسان مسئول عمن استرعاه الله أمره.
إذاً: يغيّر الإنسان المنكر بيده في حدود سلطته وسلطانه، أما إذا لم يكن في سلطانه فلا يتعطل الأمر بل ينتقل: (فإن لم يستطع -بأن كان خارجاً عن سلطانه، أو لم يخول إليه- فبلسانه) ، وكذلك أيضاً تغيير المنكر باللسان يتفاوت، ولذا جعل صلى الله عليه وسلم (أعظم الجهاد: كلمة حق عند سلطان جائر) ، ومتى تكون كلمة الحق عند سلطان جائر؟ إذا ظهر المنكر، وقام صاحب الحق وقال كلمة الحق عند هذا السلطان، ولكن ليس كل إنسان يستطيع ذلك، فإذا كنت تعلم من نفسك القدرة والصبر وعدم التعرض للإيذاء أو الإهانة أو تعطيل قيامك بالأمر في موطن آخر، وتعلم أنه يسمع منك فقل كلمة الحق، ولتعلم أن الحكام والمسئولين لا شك أنهم مسلمون ويقبلون الحق، ولكن لهذا السلطان سلطان وهيبة، فلا ينبغي أن تأتيه في مجلسه أمام العامة وتقول: أيها الحاكم! أنت أخطأت في كذا وكذا، سبحان الله! أما وجدت وسيلة غير هذه؟!! لو كان إنساناً عادياً في هذا الجمع وقلت: يا فلان! أعلم عنك أنك فعلت كذا وكذا، فلا ينبغي لك هذا، هل هذا من باب الأمر والنصيحة أم هو من باب التشنيع والفضيحة؟ من باب الفضيحة.