أيها الإخوة! ذكر الله وظيفة الكون كله، وقد ذكروا، عن سعيد بن المسيب: أنه كان يقوم الليل، وكثيراً ما يقرأ سورة ص، فقيل له في ذلك، فقال: روي (أن رجلاً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم قام الليل، وقرأ سورة ص وسجد، وعنده شجرة فرآها تسجد بسجوده، وتقول: اللهم اجعلها لي عندك ذخراً، وأعطني بها أجراً، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فأقره على ذلك) ، والله يقول: {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ} [الرحمن:6] .
إذاً: الكون كله مسخر لذكر الله سبحانه وتعالى، وقد أشرنا إلى عموم الآية الكريمة: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء:44] ، وأشرنا إلى قضية الهدهد، وكيف أنه ذكر عن بلقيس وقومها أنهم {يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [النمل:24] ، والحيوانات تؤمن بالبعث، كما ذكر مالك حديثاً في الموطأ في فضل يوم الجمعة: (فيها خلق آدم، وفيها سكن الجنة، وفيها أسجد الله له الملائكة، وفيها أهبط إلى الأرض، وفيها تاب الله عليه، وفيها ساعة لا يصادفها عبد مؤمن قائم يسأل الله حاجته إلا أعطاه إياها، وفيها تقوم الساعة، وما من دابة إلا وتصيخ بسمعها من فجر يوم الجمعة حتى مشرق الشمس فرقاً من الساعة) ، الدواب تؤمن بالله، وتدرك الحساب، وتؤمن بالبعث، وتعلم أن القيامة ستقوم يوم الجمعة، وتميّز بين الجمعة وبين الخميس والسبت، و (تصيخ بسمعها فرقاً من الساعة) أي: من النفخ في الصور لقيام الساعة.
والآيات والأحاديث في هذا الباب واسعة جداً، وأوصي كل طالب علم وكل مسلم أن يعتني بذكر الله؛ لأن ذكر الله سبحانه هو الذي يحيي موت القلوب: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28] ، وأي سعادة للإنسان إلا بطمأنينة قلبه؟! والله! لو جمع له ملك العالم كله، وجمع له أضعاف ما كان لقارون من مال، وما كان لملوك الأرض من عز، وقلبه مضطرب وهو قلق، والله! لا قيمة له في هذا كله، وإذا كان يجد القوت الضروري والكساء العادي والمأوى في أي مأوى، وهو قرير العين، مطمئن النفس؛ لكان أسعد خلق الله، {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28] ، ويكفي في الصلاة أن الرسول صلى الله عليه وسلم بيّن أنها غذاء فقال: (وجعلت قرة عيني في الصلاة) .