قال الله: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه:14] ، حقاً إن ذكر الله هو غذاء العبد، وخاصة لطالب العلم، ويذكرون عن الإمام ابن تيمية رحمه الله: أنه كان يصلي الصبح ويجلس في مكانه يذكر الله حتى تشرق الشمس ويصلي ركعتين وينصرف، فقالوا له في ذلك مع علمه وبحثه واشتغاله فيقول: هذه الجلسة هي غذائي طول يومي! وكان أحمد رحمه الله يقول: عجبت لطالب علم لا ورد له في الليل! ويكفي قوله سبحانه: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا * إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا * إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا} [المزمل:5-7] .
ثم إننا نجد أن الإسلام بتعاليمه ومنهجه ينظم ذكر الله عند المؤمن في كل حركاته، ويجعل حياته فعلاً تحت هذا المنهج الإلهي الكريم.
إذا نظرنا إلى ما كانت عليه الأمم الماضية؛ نجد أن اليهود قد غلبت عليهم المادة، وغفلوا عن ذكر الله حتى كانوا كما قال الله: {قسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} [البقرة:74] ، ونجد النصارى قد اخترعوا رهبانية ابتدعوها، لكن لم يستطيعوا أن يحافظوا عليها، ولا أن يؤدوا واجبها؛ لأنها زادت عن حد طاقة الإنسان، فكل منهما فشل في طريقه، ثم جاء الإسلام فراعى ظروف الإنسان من مادة وروح، فتأتي في سورة الجمعة في قوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة:9] ، والسعي إلى ذكر الله هو غذاء الروح، والبيع هو مادة الحياة في الكسب المادي، فأنت تعمل، فحينما ينادى للصلاة أجبت داعي الله، وجئت لذكر الله، {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الجمعة:10] ، يبتغي من فضل الله، ولا يجلس بمسبحته في مكانه، ولا يجلس في وادٍ يذكر الله فقط، بل ينتشر في الأرض ليطلب ويبتغي من فضل الله بأسباب الرزق والمعيشة، ومع ذلك فهو يذكر الله بلسانه، وبقلبه، وبمعاملته، فإذا انتشروا في الأرض، ورجع الزارع إلى مزرعته، فحرث الأرض ووضع البذر، وقال: باسم الله اللهم! أنبتها وارزقني ثمرتها، وإذا رجع التاجر إلى متجره، وجاء يتعامل مع الناس، وأخذ الكيل والوزن تذكر قوله سبحانه: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ} [المطففين:1-2] ، وهكذا إذا جاء بسلعة تذكر قوله صلى الله عليه وسلم: (من غشنا فليس منا) ، وإذا رجع إلى مصنعه تذكر كيف يتقن الصنعة ويتجنب الغش، وهكذا يكون ذاكراً لله بأقواله وأفعاله، ولا يمنعه الذكر أن يسعى في الأرض ويأكل من رزق الله.