إن الباب هذا باب واسع، وأوصي بالعناية بكتب الأذكار الواردة، التي هي مأمونة من الوضع أو مأمونة من الغلو، وأحسن ما وضع في ذلك كتاب الأذكار للإمام النووي؛ فقد رتبه ونظمه، وجاء بالأذكار الواردة المؤقتة في الصباح والمساء وبعد الصلاة وعند لباس الثوب والنوم واليقظة وتناول الطعام وخلع الثياب وكل حركات الإنسان وردت السنة فيه بذكر الله والدعاء.
وهذا يشرح لنا معنى قوله سبحانه: {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:161-162] ، محياي ومماتي لله، صحيح كل لله، وموقن على وفق منهج الله الذي يريده ويرتضيه، ولذا جاء في الحديث: (وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها) ، إذا كان العبد مع الله، وإذا كان العبد حقاً أخلص نفسه لله، لم لا يجعله كذلك؟ وكم من عبد كان مستجاب الدعوة! الرسول صلى الله عليه وسلم يوصي عمر بن الخطاب فيقول: (إذا رأيت أويساً القرني فاطلب منه أن يدعو لك، ويستغفر لك) ، من أويس؟ رجل من اليمن، فكان عمر يتتبع الوفود اليمنية: أفيكم أويس؟ أفيكم أويس؟ حتى قيل له: نعم هو فينا، قال: ائتوني به، فجاء وكان قد أخبره النبي صلى الله عليه وسلم بصفاته، وبأن له أماً كان باراً بها، فلما سأله عن أمه أخبره بها، وأن في رجله علامة كذا، فقال: استغفر الله لي، ادع لي! قال: كيف وأنت أمير المؤمنين؟! قال: لقد أخبرني رسول الله بكذا وكذا.
فلما سمع أويس هذا لم يغتر به، ولم يأته شيء في نفسه، بل قال: أستأذنك -يا أمير المؤمنين- أن أخرج إلى العراق، أي: ما دام قد عرف أمري، فيريد أن يبعد عنه هذا الجو الذي عُرف فيه، وكان شخصاً من عامة الناس، فقال: إذا أردت الذهاب فمرني أعطيك خطاباً لعامل العراق، قال: لا، فإني أحب أن أكون في عامة الناس! فذهب إلى العراق وأخذ عمر يسأل عن حاله في العراق، وكلما جاءه وفد من العراق يسأل عنه، فإذا به كان خادماً عاملاً عند رجل من عامة الناس في الحجارة والطين، فإذا بالرجل يقول لـ عمر: إني أعرفه، فقال: إذا استطعت أن يستغفر ويدعو الله لك فافعل، فذهب الرجل إلى أويس فطلب منه الدعاء، فقال: ألقيت عمر؟! قال: نعم لقيته، فإذا به من الغد يخرج من العراق.
أيها الإخوة! إن ذكر الله يعلي منزلة العبد بما لا يعلم قدر ذلك إلا الله، ويكفي أن الإنسان في حالة ذكره لله جليس وقرين، وما ذكرنا يكفي لهذا الباب، ونسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم جميعاً لذكره كما قال الله: {وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ} [طه:130] .