العبادات كلها إنما وجدت لذكر الله، فنجد خطاب الوضع في تحديد أوقات الصلوات يربطنا بالقدرة الإلهية، ويربط العبد بربه في حياته، ورزقه، ومماته، وكل شئونه، وإذا نظرنا إلى هذه الآية الكريمة التي تثير النظر والتفكير والتذكر بآيات القدرة الباهرة، وعند كل آية تستخلص منك ذكراً لله: (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) ، والحال أن الصلاة تقام لذكر الله، ودلوك الشمس على التحقيق هو زوالها عن كبد السماء، (إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ) الغسق الظلام، (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ) الفجر: انفجار نور النهار من ظلام الليل، فهذه الحركة الكونية آية، تبدأ الشمس من مشرقها والظل في مغربها، فإذا استوت في كبد السماء زالت إلى المغرب، وهي تسير بسير لطيف لا يدركه البصر، وهذه آية من المولى سبحانه، فيتحول الظل من غرب إلى شرق، ولا تزال تأخذ في الدنو إلى مغيبها حتى تتضيف إلى الغروب فيعتريها الاصفرار والاحمرار، ثم تغيب جارّة معها ضوء النهار عن الكون ويعقبها غسق الليل، فتتغير حركة الكون من سعي وحياة إلى سكون وهدوء: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا} [النبأ:10-11] ، ويتغير حال الكون من ضوء ساطع إلى ليل غاسق، من الذي أذهب الشمس؟ ومن الذي حركها؟ ومن الذي كسا هذا العالم كله بهذا الظلام؟ ومن الذي يعيدها مرة أخرى من المشرق؟ ومن الذي يجعل الضوء ينفجر من ظلام الليل، ويبدأ الضوء شيئاً فشيئاً حتى تشرق الشمس وينتشر الضوء فيعم العالم كله؟ هذا المسجد كم فيه من مئات اللمبات! وهل تغني عن الشمس؟! انظر إلى ضحى النهار في هذا المكان الذي أنت فيه، مع أن الشمس خارج المسجد، كم فيه من قوة الإضاءة! والعالم كله بجباله وبحاره وصحاريه ووديانه كلها يغمرها هذا الضوء، فإذا غربت الشمس انحسر هذا الضوء، وجاء مكانه الظلام، آيات، فهذا ذكر بالقلب وهذا ذكر باللسان، فإذا كنت في فلاة من الأرض، وكنت في وضح النهار ورأيت الشمس قد بدأت، ثم إذا بها تصل إلى منتصف السماء وأنت لا ترى حركتها، كعقرب الساعة في يدك يتحرك ويدور وأنت لا ترى حركته؛ لأنها حركة لطيفة تدق عن إدراك البصر، وهكذا الشمس فإذا بها في برهة ولحظة تتحول إلى جهة الغرب، ويتحول وضع النهار كله، فإذا رأيت هذه الآية استعجبت وأكبرت خالق هذا الكون! فإذا تأملتها وتابعت النظر معها، حتى إذا تضيفت للمغيب واختفى ذاك الضوء الأبيض الساطع، وتلون بقريب من الصفرة، ثم إذا بقرص الشمس يميل إلى الاحمرار، ثم إذا بها تغيب في الأفق، أنت بفكرك تسبح وتتساءل: من وراء هذه الحركة؟ وإذا كنت في استغراق الفكر في هذه الحالة تستيقظ على نداء المؤذن: الله أكبر.
يقول لي بعض الدعاة إلى الله: إنه كان يعرف شخصاً من كبار الشخصيات المسيحية، وكان متعصباً للمسيحية، وكان كاتباً وشاعراً أديباً، وفي ذات ليلة جلس في الشرفة يتابع النجوم، وينظر إليها نظرة أديب أو شاعر ذا خيال مجنح، فإذا به يستغرق في تلك النظرة ويسبح بفكره في هذا الكون، وبينما هو في عمق تفكيره انبثق ضوء الفجر، وإذا به يصحو ويفيق على كلمة المؤذن: الله أكبر، فينطقها مع المؤذن: الله أكبر الله أكبر، حتى أتى إلى الشهادتين فنطق: أشهد أن محمداً رسول الله، فظل يومه مبهوتاً ومدهوشاً، ثم جاء المساء وجلس في مكانه، ورأى الشمس تتضيف إلى المغيب، فأخذ يسبح ويتفكر في ماضٍ عجيب ومستقبل غريب، وبينما هو في هذا التفكير العميق يستيقظ على صوت المؤذن للمغرب: الله أكبر الله أكبر، فيتابعه في الأذان، وينزل حالاً إلى المسجد، ويعلن إسلامه!