وباب الأذكار -كما يقول النووي وغيره- باب واسع، والذي يهمنا في حديث الباب أن النبي صلى الله عليه وسلم أرشد الفقراء إلى ما يدركوا به الأغنياء من ذكر الله، وفي هذا تنبيه لفضل الذكر والدعاء، وخاصة عقب الصلوات، وبعض العلماء قال: الذكر أعم العمومات في العبادة، بل إن الذكر عبادة جميع الكائنات من إنس وجن وملك وجماد ونبات وحيوان وطير: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإسراء:44] ، وهو عبادة غير مؤقتة، وجميع العبادات تكاد تكون مؤقتة: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء:103] ، والصيام: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة:185] ، والحج: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة:197] ، والزكاة عند رأس الحول، أما الذكر فقد بيّن سبحانه صفة عباده المؤمنين: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} [آل عمران:191] ، وقال: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء:78] ، {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [الروم:17] .
وذكر الله سبحانه تارة يكون باللسان، وتارة يكون بالقلب، وهو التفكر في ملكوت السماوات والأرض، وإذا نظرنا إلى علاقة ذكر الله بآياته سبحانه نجد ما يلفت النظر في تلك الآية الكريمة: (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ) ، يقول علماء الأصول: إن خطاب الله للعباد ينقسم إلى قسمين: خطاب تكليف، وخطاب وضع، فخطاب التكليف هو الذي فيه أمر بفعل: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة:43] {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة:183] {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران:97] {لا تَقْرَبُوا الزِّنَى} [الإسراء:32] {لا تَقْتُلُوا النَّفْسَ} [الإسراء:33] كل هذه من باب خطاب التكليف أمراً أو نهياً.
أما خطاب الوضع: فهو بيان إما لشرط أو لسبب أو لزمن، لإيقاع ذلك الواجب الذي كلف به العباد، فمثلاً: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة:183] متى نصوم؟ {شَهْرُ رَمَضَانَ} [البقرة:185] ، {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ} [آل عمران:97] متى نحج؟ {أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة:197] ، {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [البقرة:110] متى نقيمها؟ ((لدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ)) [الإسراء:78] ، وقوله تعالى: {َأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه:14] ، فكأن الصلاة ما أقيمت إلا لذكر الله، وكذلك قال في الحج بعد قضاء المناسك: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [البقرة:198] .