وإذا جئنا إلى أركان الإسلام الأخرى: فأولها: الصلاة.
وقد أوجب الله سبحانه وتعالى الصلوات الخمس، ونعلم جميعاً أنها أول ما فرضت خمسين صلاة، ثم ما زال النبي صلى الله عليه وسلم يتردد بين ربه وبين موسى عليه السلام ويطلب التخفيف ويُسقط عنه خمساً خمساً حتى استقرت خمساً في العمل وهي في الأجر خمسون.
وجعل الله سبحانه مما شرع نبيه صلى الله عليه وسلم -وهو لا ينطق عن الهوى- صلوات أخرى نوافل: منها الرواتب مع الفريضة.
ومنها النوافل المقيدة بزمن أو بعمل.
ومنها النافلة المطلقة.
فمن الرواتب: كما جاء عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: (حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر ركعات في اليوم والليلة -أي: نوافل- وذكر ركعتي الفجر، وركعتين بعد الظهر، وركعتين قبله، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء) ، وجاءت أحاديث أخرى: (أن مع الظهر أربعاً قبلها وأربعاً بعدها، ومع العصر أربعاً قبلها) .
وبين المغرب والعشاء صلاة الأوابين: ست ركعات، ركعتين ركعتين ركعتين.
ثم قيام الليل بلا حد ولا عد.
تلك هي الرواتب مع الصلوات الخمس.
وهناك النوافل المقيدة بزمن: كركعتي الضحى، وقد ذكر صلى الله عليه وسلم ما يترتب عليها من عظيم الأجر كما سيأتي أنها تعدل ثلاثمائة وستين صدقة، وكذلك تعلم القرآن في بيوت الله تعالى، ومن فضل ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيكم يحب أن يذهب إلى بطحان ويأتي بناقتين كوماوين من غير إثم ولا قطيعة رحم، قالوا: كلنا يريد ذلك يا رسول الله! قال: من غدا إلى المسجد فتعلم آيتين من كتاب الله خير له من ناقتين، وثلاث خير له من ثلاث وأربع خير له من أربع) .
والمقيدة بعمل: ذكر صلى الله عليه وسلم: (كلُّ سلامى من ابن آدم كلَّ يوم تطلع فيه الشمس عليه فيها صدقة) ، والسلامى: المفصل في الجسم، وقالوا: في جسم الإنسان ثلاثمائة وستين سلامى، أي: في أصابعه وفي ظهره وفي ضلوعه وفي يديه ورجليه إلى غير ذلك، تلك السلامات صيانتها، وحفظها إنما هي كما قال صلى الله عليه وسلم: (عليه صدقة) ، ثم مَن في جميع الصحابة يستطيع أن يتصدق كل يوم ثلاثمائة وستين صدقة، قالوا: (ومن يستطيع ذلك يا رسول الله؟! فقال: كل تحميدة صدقة، وكل تسبيحة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة، وأن تعين أخاك على دابته فتحمله عليها أو تحمل له متاعه صدقة، وأن تلقى أخاك بوجه بشوش صدقة، ويُجزئ عن ذلك كله ركعتا الضحى) .
هناك أيضاً الصلوات الأخرى التي تدخل في باب فرض الكفاية: كصلاة الجنائز.
وكذلك الكسوف.
والاستسقاء.
وغير ذلك.
جاء عنه صلى الله عليه وسلم أن لهذه النوافل مهمتان: المهمة الأولى: الصيانة والضمان والأمن على الفريضة، كما جاء عنه صلى الله عليه وسلم أن الله سبحانه أول ما يسأل العبد يوم القيامة عن الصلاة، فإن كانت مجزئة ووافية فبها ونعمت وصلح سائر عمله وأُلحقت بها جميع الأعمال، وإن كانت قد نقصت، وفرط وضيع، وأراد الله بالعبد خيراً يقول للملائكة: (انظروا هل لعبدي من نوافل؟ فيقولون: بلى يا رب! فيقول: اجبروا فريضته من نافلته) ، وهكذا سائر الأعمال.
تلك النوافل يتكرم المولى سبحانه ويجبر منها الفريضة، فريضة الصلاة التي هي أول ما يُسأل عنها العبد، فإن قُبلت قبل معها سائر عمله، وإذا رُدت رُد معها سائر عمله؛ لأنها العهد الذي بيننا وبينهم، والذي جاء في خصوصها وحدها: (من ترك الصلاة فقد كفر) .
والمهمة الثانية في جميع النوافل: أن الله سبحانه قال في الحديث القدسي: (إن أقرب أو أحب أو أشد ما تقرب إلي به عبدي بما افترضته عليه، ولا يزال العبد يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يسعى بها ... ) ، وبين العلماء أن هذا العبد يصبح عبداً ربانياً لا يسمع إلا في الله، ولا يبصر إلا في الله، ولا تتحرك يده أخذاً وعطاءً إلا فيما يرضي الله، ولا تسعى قدمه إلا إلى رضاء الله.
وأشرنا في السابق في شرح معنى: (الصراط المستقيم) في قوله سبحانه لرسوله صلى الله عليه وسلم: {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً.
} [الأنعام:161] إلى قوله: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:162] .
وهكذا تكون النوافل هي السلم الذي يعرج عليه العبد إلى ربه، وهو مرتقى المنازل العليا لكل مسلم.
إذاً: النوافل لها أهميتها هي تابعة لكل فريضة كما أشرنا.